هشام فوزي.. صاحب الوجه الباسم
“شهيد ابن شهيد”.. هكذا يراه أقرانه ممن عرفوه وعايشوه، وأظهروا شديد الحزن على وداعه، كيف لا وهو الذي باغتهم بالفراق في سن صغيرة، بعد أن أسرهم بابتسامته الدائمة وجميل طبعه ودماثة خلقه.
هشام فوزي (18 سنة)، الذي قضى شهيدا في سنته النهائية من المرحلة الثانوية، حيث كان يستعد لدخول الامتحانات، آملا في تحقيق رغبة والده بالالتحاق بكلية الهندسة، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ويلحق به إلى الدار الآخرة التي سبقه إليها بنحو 10 سنوات.
وكغيره من شباب ثورة 25 يناير، ممن أصروا على استحقاقهم لحياة مختلفة، ولم يأبهوا لسلاح العسكر المشهر أمام صدورهم العارية، بعد أن قام بانقلابه، ظل هشام حريصا على المشاركة في جميع الفعاليات المناهضة للانقلاب، حتى أصابته رصاصة الغدر.
في السابع عشر من يناير 2014 وقبل الذكرى الثالثة للثورة بأيام، كان هشام على موعد مع الشهادة، وذلك خلال مشاركته بإحدى المسيرات الحاشدة أمام مسجد راغب بمدينة السادس من أكتوبر (محافظة الجيزة)، والتي كانت تخرج بصورة شبه يومية لرفض الانقلاب حينها.
وبينما المشاركون في تلك المسيرة السلمية يرددون هتافاتهم، أطلّت عليهم مدرعات الشرطة، وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، فسقط أحد رفقاء هشام، وحين ذهب إليه أملا في حمله وإسعافه، أصابته رصاصة غادره، ليرتقي شهيدا في حينها.
ولد هشام في الخامس من يوليو عام 1996، وتوفي والده وهو في التاسعة من العمر، بعد معاناة مع مرض السرطان، وكان هشام حينها في الصف الثالث الابتدائي، ولذلك اعتبره أصدقاءه شهيدا وابن شهيد، لما ورد في الحديث من اعتبار المبطون شهيدا.
كان هشام خلال سنوات عمره التي عاشها بعد وفاة والده، خير عون وسند لأمه، حيث كان يعيش معها وشقيقته وشقيقه، فكان يعتبر نفسه المسؤول عن الأسرة بعد وفاة والده، ومن ثم رآه كثيرون ممن عايشوه أكبر من سنه.
التحق هشام بمدرسة على بن أبى طالب، والتي أتم فيها مرحلتي الابتدائية والإعدادية (المتوسطة)، ثم التحق بمدرسة الرضوى الحديثة، حيث كان على وشك أن يتم فيها مرحلته الثانوية، وكان متفوقا في دراسته، يحوز المراكز الأولى بين أقرانه.
بدأ هشام حفظ القرآن في سن مبكرة، حيث جد فيه منذ الثالثة من عمره، وكان قاب قوسين أو أدنى من إتمامه، لينال الشهادة وهو على وشك حفظ سورة البقرة التي كانت آخر السور التي بقي له حفظها من كتاب الله.
تميز هشام بين أقرانه بأخلاقه الحسنة، وطبعه الحميد وروحه المرحة، وعاش حياة كريمة هادئة مع أسرته الصغيرة، وكان محبوبا بين أصدقائه وذويه، وظهر ذلك جليا في جنازته، وما تلاها من وقفات حرص المشاركون فيها على إحياء ذكراه، والهتاف بحقه.
مارس هشام رياضة الكاراتيه، ووصل فيها لمراحل متقدمة، وشارك في العديد من البطولات، حيث حصل على المركز الأول أكثر من مرة على مستوى مدينة السادس من أكتوبر، ثم على مستوى محافظة الجيزة، كما شارك في بطولة الجمهورية أكثر من مرة.
كانت ثورة الخامس والعشرين، لحظة فارقة غيرت من نظرته للحياة كما الحال مع الكثير من شباب الثورة، وكان عمره حينها 15 عاما، وبات بعدها كثير الهم بمستقبل بلاده، دائم التفكير فيما يدور من أحداث وتفاعلات، وظهر ذلك من خلال كتاباته بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي كان منها “قتلوا فينا كل حاجة حتى الخوف”.
أصيب برصاصة في فخذه خلال مشاركته بإحدى المسيرات اللاحقة لفض اعتصام رابعة العدوية، لكن ذلك لم يفت في عزمه، بل ظل حريصا على مشاركته فيما تلاها من فعاليات.
كان يتمنى الشهادة، فحين حذره أحد أصدقائه من إصراره على المشاركة في المسيرات التي تشهد مواجهات مع الجيش والشرطة، وخوفه من أن يصيبه مكروه كونه العائل لأسرته بعد أبيه، رد عليه “نفسي أموت شهيد”، وكان دائما ما يقول لوالدته “مش هنعيش زي ما عيشتوا.. نفسنا ندوق طعم الحرية”.
تحكي والدته عن حوار دار بينها وبينه ليلة استشهاده، حين كان مستلقيا على فراشه، فجاءته وقالت له: “الامتحانات على الأبواب يا هشام ولابد من أن نضغط شوية كي تلتحق بكلية الهندسة كما كان يرغب والدك، وحتى أفخر بك أمام الناس.. أنا عايزه أفرح بيك”، فرد عليها: “لا تحاولي منعي من النزول غدا.. لأني نازل نازل”.
بكته والدته وإخوته، وودعه أحبابه وجيرانه، وظلوا حريصين على الوقوف أمام داره في مسيراتهم التي استمرت لرفض الانقلاب، هاتفين بالوفاء له ولمن سبقوه من شهداء الثورة ورفض الانقلاب، آملين في تحقيق غايته التي مات لأجلها بإرجاع الحق لأهله.