محمد يسري
محمد يسري شاب مصري عشق تراب وطنه، واستشهد يوم الجمعة 10 من يناير/كانون الثاني 2014م، عن عمر يقارب 25 عامًا فقط، وكان في يوم استشهاده مشاركًا في تأمين مسيرة سلمية رافضة للانقلاب والحكم العسكري انطلقت من حلمية الزيتون في القاهرة، ليدفع ابن حي حدائق القبة الذي كان يعمل مهندسًا في إحدى شركات المقاولات حياته إرضاء لله، ثم رغبة في تحقيق أحلامه بعودة الشرعية الديمقراطية إلى بلاده.
حفظ كتاب الله منذ نعومة أظافره؛ ورغم كونه ابن وحيد في أسرة ضمّت غيره أختين، وأبًا يعمل مهندسًا وأمّا تعمل كطبيبة؛ إلا أنه نشأ على النقيض من بعض أقرانه مِمَنْ هم في مثل ظروفه، إذ تعلم تحمل المسئولية من صغره، وتعمدت والدته تنشأته على طاعة الله وعمل الخير بعد أن حفظته بنفسها القرآن الكريم، ولذلك فعندما كانت داخلية الانقلاب تتعرض للمتظاهرين السلميين كان يتصدى لهم مدافعًا عنهم؛ بخاصة النساء.
عُرٍفَ محمد بطيبة القلب في أوقات الصفاء؛ وبالغيرة الشديدة على الحق والرغبة الجارفة في نصرته حتى أنه أصيب يوم الجمعة السابق لاستشهاده مباشرة في مظاهرة بالألف مسكن، ولم يعد إلى بيته إلا محمولًا على الأعناق، وبعدها بأيام لم يخف الرصاص أو حتى الموت وخرج مجددًا ليلقى الله هذه المرة في ظروف بالغة المرارة؛ هذا غير مشاركته في اعتصام ميدان رابعة العدوية ومجزرة الحرس الجمهوري.
يروي أحد أقرب أصدقاؤه في الحياة والتظاهرات أنه:”لم يكن يختبىء من الرصاص بهرولة مثلنا بل كان ينسحب بهدوء”، اعتاد البطل أن يراقب المشهد حتى إن انتشر الرصاص فيه، رغبة في حماية النساء كما قال عنه صديق آخر له.
وفي اليوم الأخير له في الحياة؛ ومحمد “ينسحب بهدوء” فوجئ بسيل من الرصاص يصيبه من مدفع آلي؛ وأخذ دمه ينزف بشدة من إصابة خطيرة، فأسرع أصدقاؤه بنقله إلى أقرب مستشفى، وكان خوفهم وحذرهم من أن يلمحهم أحد من الداخلية يدفعهم إلى البطء بعض الشيء، فلما وصلوا به إلى اقرب مستشفى أخبرهم الأطباء أن حالته سيئة للغاية؛ ويتعذر على إمكانية المستشفى القليلة التعامل معها.
وأسرع اصدقاؤه (على حذر) في نقله مجددًا إلى مستشفى آخر أكبر بإمكانيات أوفر؛ وهناك أسرع الأطباء في محاولة إنقاذ حياته، لكنهم اشترطوا وجود 12 كيسًا من الدم و7 أكياس من البلازما لتأمين العملية الجراحية نظرًا لخطورة حالته؛ وأسرع أصدقاؤه لتنفيذ طلبات الأطباء؛ وبالفعل دخل غرفة العمليات.
أثناء الجراحة توقف قلب محمد عن العمل فنشطه الأطباء على الفور، ليخرج البطل من غرفة العمليات إلى العناية المركزة في قمة الإجهاد والإرهاق؛ وفي العناية المركزة لم يكمل ليلته إذ اختاره الله إلى جواره عند الساعة الثانية عشرة إلا ربعًا من مساء نفس اليوم.
تمنى الشهادة في سبيل الله قبيل رحيله إذ قال عن صديق له اسمه محمد أحمد إبراهيم إنه كان في مقدمة مسيرة سلمية؛ وتلقى خرطوش أحد عناصر الداخلية، حتى صوب إليه ضابط سلاحه وأطلق النار عليه ليعقب يسري: محمد كان شجاع جدًا ومات؛ وهو ليس إرهابيًا بل ملحمة في الصمود.
أما في بداية سنة 2014م، وقبل أن يلقى الله بأيام فقد كتب محمد على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قائلًا: “لكل واحد بيقولي كل سنة وأنت طيب: دماؤنا في الشوارع؛ وإخواننا في المعتقلات ونساؤنا تسحل في الجامعات فبأي منطق أَفرحُ أو أَهني!”.