عمار الرَّمَّال.. أقسم بالشهادة فنالها
توقعها له أفراد الأسرة، وكان مستبشرا بنيلها، وقبلها بلحظات، أقسم لشقيقه وعدد من أصدقائه أنه سينالها اليوم، ولعل صدق الطلب وقوة العزم أورده أمله، فنال الشهادة خلال مشاركته بإحدى المسيرات الرافضة للانقلاب العسكري.
عمار أحمد الرمال (23 سنة)، الطالب بالفرقة الرابعة في المعهد العالي للحاسب الآلي بمدينة رأس البر في محافظة دمياط، كان على موعد من رصاص الغدر خلال مشاركته في مليونية أسبوع الغضب بمدينة دمياط الجديدة، عقب صلاة الجمعة يوم السابع والعشرين من ديسمبر/كانون أول 2013.
كان عمار يعد العدة لهذه اللحظة، وقد هيأ جميع أفراد أسرته والقريبين منه لاستقبال نبأ استشهاده، من خلال الحديث المتكرر عن ذلك، وتعبيره المتتالي عن رغبته الملحة في الشهادة، حتى وصل الأمر بوالديه وشقيقه وشقيقته أن توقعوا له نيلها، إضافة إلى مرورهم بملابسات أخرى عززت في نفوسهم الأمر.
يحكي والده كيف أنه في يوم استشهاده، رأى في منامه شاهد فيها ابنه عمار وهو يصاب ذات الإصابة التي أدت لاستشهاده، لكنه أخفاها في نفسه وأخبر عائلته أنه سيقص عليهم رؤيا رآها لكن عقب صلاة الجمعة، لكن نبأ الشهادة كان أسبق وأصدق، وحينها أعلن أن الرؤيا باتت واقعا وحقيقة.
يقول الحاج أحمد والد عمار، “يوم الحادث.. صلى عمار الفجر وظل يشجعنا ويثبتنا.. لم يكن عمار مجرد ابن لي وإنما كان أخا وصديقا وناصحا.. قال لي “غدا يثبت الرجال ومن يخشى الغد فهو يخشى الموت”.
يتابع الوالد وهو يحكي ملابسات استشهاد عمار: “في ذلك اليوم، صلى عمار الضحى والتفت إلي وقال لي أنه كتب وصيته، فسألته عنها فرد بأنني سأعرفها عقب صلاة الجمعة، وبعدها ذهب ليصلي الجمعة بمدينة دمياط.. وخرج مبكرا للإعداد للمسيرة حيث كان من فريق تأمينها، وليتأكد من أنها ستخرج في سلمية”.
يمضي الوالد في القول، “بعد صلاة الجمعة، انضم للمسيرة ولم أره بعدها حتى سمعت نبأ استشهاده.. كنت حينها مشاركا في تأمين المسيرة من جانب آخر.. اتصلت عليه فلم يجبني واتصلت على أخيه فرد وقال “عمار استشهد”، ساعتها استرجعت وقلت الحمد لله الذي شرفنا باستشهاد عمار في سبيل الله.
يحكي شقيقه محمد، كيف أنه أن شقيقه عمار بعد صلاة قيام يوم الخميس قال لهم: “أنتو خايفين ليه كدا.. محدش يخاف .. على فكرة إحنا على الصبح هننقص واحد”، بعدها صلى الفجر ونام قليلا ثم صلى الضحى وقال في هيئة الداعي ” يا رب .. صليت القيام وقرأت القرآن وصليت الفجر والضحى.. لم يتبق إلا الشهادة”.
يتابع محمد “حين دخلنا المجمع الإسلامي الذي سنصلي فيه الجمعة وننطلق من بعدها في المسيرة قال لنا عمار “أقسم بالله أني سأستشهد اليوم”.. ساعتها تملكني الإحساس أن عمار سيستشهد.. وحين هاجمت الشرطة والبلطجية المسيرة، بادر عمار ليأمن حمل مصابين وإسعافهم، حينها أصيب برصاصة بجانبه الأيسر اخترقت القلب والرئة وخرجت من الجانب الأيمن”.
يصف محمد اللحظات الأخيرة، وكيف أنه استدار إليهم وقال وهو لا يزال على قدميه: “لن تركع أمة قائدها محمد” ثم نطق الشهادة 3 مرات وسقط، وحين وصل المستشفى كان قد فارق الحياة.
عرف عمار بحبه لعمل الخير وخدمة الآخرين، حيث كان يسعى في رعاية الفقراء والمساكين، وكان يبحث عن ذوي الحاجة ويقضي لهم حاجاته، كما كان يتعهد المرضى ويوصل إليهم العلاج بشكل دوري، وكان محبوبا من الجميع لهذه السمات.
مما يحكيه والده عنه، أن كان يقود لجنة شعبية خلال التسيب الأمني الذي شهدته مصر أيام ثورة 25 يناير 2011، وكان دورها حماية إحدى الكنائس، كما كان يشارك يوميا خلال شهر رمضان في تفطير الصائمين بأحد ميادين المدينة قبل إفطاره، ولا يفرق بين غني أو فقير ولا حتى بين مسلم ومسيحي.
فيما تؤكد والدته أنها هي الأخرى كان يتملكها إحساس بأن ولدها عمار سينال الشهادة، واستحضرت ثباته وتفاؤله خلال الأيام التي سبقت استشهاده، رغم أنه كان مطاردا ولا يبيت في المنزل، حيث داهمت قوات الأمن بيتهم 4 مرات في طلبه والبحث عنه.
بينما تقول شقيقته الكبرى سمية، إن شقيها عمار عوضها كثيرا بعد وفاة زوجها، وكان حريصا على إشعارها بأن حياتها كاملة، وأنه لا ينقصها شيء، وكان يعمل على تربية ابنها محمد على الرجولة والقوة، كما كان يلبي لولديها جميع طلباتهما، وأوصاها قبل استشهاده بيوم، أن تزغرد في جنازته حال استشهاده.
قال لوالدته، ستشهدين زفة لي لن تتخيليها، لكن أرجو إذا استشهدت ألا تحزني وتفرحي لأنها زفة شهيد، وصدق ظنه، فكانت جنازته مهيبة شارك فيها الآلاف، نادوا فيها بالقصاص، ورفعوا صوره التي ظلت تزين شوارع المدينة فترات طويلة، كما حرص محبوه على تذكره دائما وإحياء ذكراه في سنوات لاحقة.
لم تتوقف تضحيات أسرته، فشقيقه محمد اعتقل لفترة بعدها، كما اعتقل والده وخاله، ولا زالت الأسرة رغم تلك التضحيات تؤكد ثباتها على نهج عمار، حتى أصغرهم أحمد، الذي صرح بأنه سيستمر كذلك على درب شقيقه حتى أخذ حقه ولو أدى ذلك لنيله الشهادة مثله.