عبد الحميد العناني
مواطن مصري صالح٬ قاومَ الفساد والاستبداد٬ سُجنَ في عهد مبارك عدة مرات لاهتمامه ومشاركته في الشأن السياسي والمجال العام، ورفضه لتزوير الانتخابات وخطط توريث الحكم. لكن هذا الاشتباك مع الواقع السياسي والانشغال المخلص به لم يمنعه من تكوين أسرة سعيدة مكونة من زوجة وخمسة أبناء٬ كان يكافح لتوفير حياة كريمة لهم، هم زينب – التي لم يكن مضى على زفافها سوى خمسة أيام عندما قتل والدها أثناء مشاركته في مظاهرة سلمية بعد – وعبد الرحمن، ومحمود، وعمر، وعصام.
عبد الحميد صادق العناني، ولد عام 1961 بقرية دقادوس محافظة الدقهلية، التي تبعد عن شمال غرب القاهرة حوالي 183 كم. كان والده هو الشيخ صادق العناني، أحد علماء الأزهر، تعلم منه حب الدين والعمل في الدعوة الإسلامية وأراد استكمال مسيرة أبيه، وفي المرحلة الجامعية التحق بكلية التجارة في جامعة الأزهر.
عمل عبد الحميد مديراً للحسابات بشركة القاهرة للأدوية ثم مفتشا بوزارة التموين، ووجد معاناة شديدة في عمله بالتموين نتيجة لوجود ممارسات فساد كثيرة كان يقاومها، ورغم اجتهاده في عمله، تم تحويله لأعمال إدارية ثلاث مرات، نتيجة التزامه مجاراته لأجواء الفساد، لكنه ما كان يلبث أن يعود لعمله مفتشاً بحكم قضائي.
كذلك كان أحد مؤسسي جمعية فجر الحرية التي كانت تتولى توزيع الخبز في إحدى القرى المجاورة، وكان أيضاً أحد الخطباء المعتمدين لدى وزارة الأوقاف والمعروف بدروسه في مسجد الأمين الكريم بعد صلاة العصر.
تعرض العناني للتضييق والاعتقال أثناء حكم الرئيس المخلوع مبارك وتعددت هجمات أمن الدولة على بيته أثناء أحداث لسياسية معينة، حيث كان يهتم بالقضايا الوطنية المختلفة، ويخرج ويشارك في فاعليات ويساهم في تنظيم بعضها، مثل انتخابات مجلس النواب لعامي 2000 و 2005 والمظاهرات المناهضة للعدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2008 .
وكان آخر هذه الاعتقالات على خلفية قضية حملة “اغضب للأقصى” والتي اعتقل فيها أكثر من 13 طالباً من طلاب جامعة الأزهر بالدقهلية وعضوين آخرين من أعضاء هيئة التدريس في شهر أبريل عام 2010 ، ودام اعتقاله وقتها ثلاثة أشهر وتم الإفراج عنه وقتها لأسباب صحية.
يتذكر د.محمد طه وهدان الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة قناة السويس، وأحد الذين رافقوا العناني في المعتقل عام 2010، قائلا:”ما عهدنا على الأستاذ عبد الحميد إلا سعة الصدر وسلامة السريرة وصفو القلب فلم يكن أبداً إلا متسامحاً مع الجميع لا يغضب من أحد مهما أذاه حتى وإن كان هذا الشخص أحد السجانين في المعتقل.”
عندما خرجت الدعوات للخروج للتظاهر والتعبير عن الرأي في شهر يونيو 2013 لمناصرة المسار الديمقراطي في مصر، خرج العناني في مظاهرة تحت عنوان “لا للعنف” والتي انطلقت من أمام مسجد الجمعية الشرعية بالمنصورة يوم 28 يونيو 2013 عقب صلاة العصر في مظاهرة سلمية تجمع الرجال والنساء شباباً وشيوخاً. لكن على الجانب الآخر كانت هناك مجموعة معارضة لهذه التظاهرات وحدثت اشتباكات عنيفة أدت لإصابة مئات المتظاهرين إضافة لمصرع ثلاثة بينهم العناني، و “محمد أحمد عبد الحفيظ” من قرية “شاوه”، و”ممدوح فتحي”.
وذكر أحد المرافقين للعناني أنه أثناء صلاة العصر بالمسجد “أطلق أحد البلطجية عليهم النار من فرد خرطوش أثناء الصلاة فأصيب العاني بطلقة استقرت في قلبه، مما أعاقنا عن تكملة الصلاة من أجل إسعافه، وعلى الفور قمنا بنقله للمستشفى وآخر ما قاله: “والله سينتصر الإسلام وننعم بالحرية في مصر”، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها عند وصولنا إلى المستشفى.”
وفي مشهد مهيب شيع الآلاف من أهالي قرية تفهنا الأشراف عبد الحميد العاني، وشارك في الجنازة رموز وطنية وسياسية في الدقهلية، وأكد شقيق الضحية أنه قُتِل بثلاث طلقات قاتلة أصابته من مسافة لا تزيد عن نصف متر، ورغم أن الشقيق لم يحدد من قتله قالاً “لا يعلم قاتله إلا الله”، إلا أشاف أنه يحمل مسؤولية الدماء لبعض الإعلاميين ذاكراً بالاسم بعضهم، لدور الإعلام في التحريض على العنف في هذه الفترة.
وقد نعاه المشرف على مدارس الهدي والنور الخاصة بالمنصورة طلعت الشناوي٬ فقال “والله ما رأينا الأستاذ عبد الحميد إلا مبتسما حتى في أحلك الظروف وأكثرها ظلما للدعوة الإسلامية ولم نعهده أبدا كاحل الوجه غير مبتسم.”
ويقول عضو مجلس الشعب سابقا خالد الديب “في إحدى اللقاءات الجماهيرية كان عبد الحميد أحد المنظمين للقاء٬ وأغلظت عليه في بعض الملاحظات٬ ما أثار دهشة ابني عبد الرحمن٬ وفور انتهاء الفعالية، ضمني عبد الحميد ضمة دفئ وتسامح وعطاء، ولما سألني عبد الرحمن عن ذلك، قلت له: الاستاذ عبد الحميد عمره ما زعل من حد وﻻ كشر في وش حد، حتى لو كان الشخص ده غلطان في حقه 100 قيراط.”
ويتذكر عضو مجلس الشعب سابقا شفيق الديب٬ العناني فيقول كان عبد الحميد لا يأتي لي في مصلحة شخصية قط، ودائما ما كان يسعى في حاجة الناس، ولما سألته في إحدى المرات: إنت مافيش ليك مصلحة عاوزها؟ فقال بابتسامته المعتادة: “الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.”