محمد سمير.. محب الأهلي ابن دمياط
ضمن 3 من زهرة شباب محافظة دمياط، كانت فاجعة آهالي المحافظة الشمالية كبيرة ببطل قصتنا الذي قضى بمجزرة مذبحة بور سعيد التي راح ضحيتها 74 من مشجعي نادي الأهلي عقب مباراته مع النادي المصري.
محمد سمير قديح (26 سنة) خريج معهد الحاسب الآلي برأس البر وابن قرية “الغوابين” التابعة لمركز فارسكور، أحد مراكز محافظة دمياط، فجعت قريته بفقدانه هو وابن القرية الثاني خيري الأرناؤوطي في هذه المذبحة.
لم يكن مضى على احتفال محمد وأسرته بذكرى ميلاده يومين، حيث صادف مولده تاريخ 29 يناير، أي قبل تاريخ المذبحة الأول من فبراير/شباط 2012، بيومين فقط.
كغيره من مئات الشباب الغض البريء، كان محمد يجد في تشجيع ناديه المفضل الأهلي، ودعمه والتنقل خلفه من محافظة إلى أخرى لدعمه، سلوة تغنيه عن مسارات أخرى لصرف الطاقة مما قد يضر، انشغل بها قطاعات أخرى من الشباب في تلك المرحلة.
إلا أنه لم يكن يدرك أن هذه المساحة التي ربما تلاقت بصورة ما في تلك المرحلة مع مساحة السياسة، ستكون سببا في أن يكون ضحية أحد أبرز المذابح التي مرت بها مصر بعد ثورة يناير، والتي لا تزال الغصة حاضرة بحلوق أهالي الضحايا حيث لم يشف غليلهم بعد بالقصاص من الجناة.
لم تكن أسرة محمد كغيرها من أسر ضحايا المذبحة ينتابها القلق أو تستشعر الكثير من الخطر من حضور محمد للمباراة، فليست المرة الأولى التي يحضر فيها مباريات ناديه المفضل الأهلي، كما لم يكن في حيز إدراكهم طبيعة توتر الأجواء بين ناديي الأهلي والمصري في تلك المرحلة.
إلا أن ذلك لم يمنع أن تستشعر والدته تخوفا غير مسبب، وإحساسا بقرب وقوع أمر جلل قبل ذهابه بيوم، لم تعرف سببه، لكنها في ذات الوقت لم تتوقع أن يكون هذا الشعور مرتبط بمصير ابنها محمد.
تحكي والدته كيف أنها لم تكن من الأساس تعلم أنه ذاهب لحضور مباراة، فقد أخبرها أنه سيذهب للقاء أحد أصدقائه، وتقول إنه كان معتادا لمصاحبة أحد أصدقائه ويدعى سعيد لزيارة بور سعيد من حين لآخر، ومن ثم لم يكن لديها ما يدعوا للقلق.
لم تعلم الوالدة أن ابنها في المباراة إلا حينما وجدت شقيقته تتابع أحداثها على الشاشة باهتمام فاستغربت الأمر وسألتها عن السبب فردت بأن شقيقها محمد يشهد المباراة وهناك نوع من الاضطراب فيها.
تتابع الأم بنبرة حزينة، كنت أختم صلاة العشاء حينما سمعت ضجة في التلفاز، ونظرت إلى الشاشة التي تنقل فعاليات المباراة فوجدت مشهدا صعبا، وحينها انتابني شعور صعب، وتملكني إحساس دون سابق تمهيد ولا إنذار أنني فقدت ابني محمد.
سريعا تواصلت الأم المذعورة مع أصدقاء محمد الذين تسارعوا إلى منزله، وأبلغوها عزمهم الذهاب إلى بورسعيد للوقوف على ما حصل، فأخبرتهم أنه لابد من إخبار أعمامه حيث أن محمد كان يتيم الأب في تلك المرحلة.
علمت والدة محمد بعدها أن أعمامه ذهبوا إلى بور سعيد، وفي ذات الوقت حاولت الاتصال على هاتفي محمد فلم يرد أحدهما فيما رد على الآخر مجهول أخبرها أنه وجد الهاتف ملقى في الاستاد فظنت أنه يقصد ابنها فانهارت على الفور.
وربما كان هذا الفهم الخاطئ بمثابة التمهيد الذي خفف عليها وقع الخبر الحقيقي الصادم لاحقا، والذي جاء شقيقها (خال محمد) ليخبرها به في وقت لاحق.
وعلى الرغم من شدة الفاجعة والألم بفقد محمد، إلا أن والدته قالت إنها سلمت أمرها لله وتقبلت في رضا قدر فلذة كبدها وأوكلت أمره لله، وحين سئلت عن طلباتها من المسؤولين، رفضت أن تتوجه بمطلب إلا لربها أن ينتصف لحق ابنها.
تستذكر الأم سمات وحيدها محمد الذي كان فرحتها في الدنيا إلى جانب شقيقتيه، وكيف أنه كان سندها في الحياة بعد وفاة والده، ولم يكن يرفض لها أي طلب مهما كان، بل كان يبادر كلما عاد من الخارج لسؤالها عن حاجاتها ليلبيها لها قبل أن يذهب لراحته.
حاولت الأم مرارا وتكرارا إقناعه بالزواج أو حتى الخطبة، وتتكفل العائلة بجميع ما يلزم، إلا أنه كان يرفض الأمر حتى يستقر في عمل يستطيع تقديم نفسه به لأسرة من يرغب في الارتباط بها، لكن شقيقته أماني تستذكر في حسرة كيف أنه وافق على الأمر قبل استشهاده بيوم.
تعاود الأم المكلومة التأكيد على أنها لن تستطيع إيفاء ابنها حقه في الوصف، ومن ثم لا ترى أي مقابل قد يعوضها عنه في الدنيا وأنها تنتظر العوض عند ربها.
تتفق الأم مع ابنتها وخال محمد في أن ما حدث كان أمرا مدبرا وخطة مبيتة بليل راح ضحيتها شباب أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في ما يحدث، ومن ثم لا مجال إلا باحتساب الأمر عند الله.
وبخلاف غيرها، لم تهتم أم محمد كثيرا بالسبب المباشر لوفاة ابنها، حتى حينما دخلت على جثمانه اكتفت بنظرة لوجهه، كما لا تقوى حتى لحظة حديثها لوسائل الإعلام في وقت لاحق من الدخول لغرفته كما لا تقبل بدخول غيرها إليها.
شقيقته الكبرى نورا، تستذكر آخر حديثه لها، وكيف أنه أوصاها على والدتهما، ولم تدرك حينها أنها وصية مودع، كما تتذكر بعض المواقف الأخيرة التي تشي بقرب الفراق، ومن ذلك أن أهدى ابنها كوفية مفضلة للنادي الأهلي وطلب منه الحفاظ عليها.
تقول إنه كان فضلا عن كونه شقيقا فقد كان صديقا مقربا وبمثابة أكبر أبنائها، لافتة إلى أنها رأته في المنام وهو سعيد، وحينما قالت له إنها تفتقده بشدة، قال لها أنا معكم ولم أذهب بعيدا، متسائلا لماذا تقول ذلك.
بينما يصفه خاله ناصف رخا، بأنه كان “نسمة” في الحياة، صاحب أدب وخلق وذوق، ولن يشفي الغليل سوى القصاص من كل من شارك في هذه الخيانة والنذالة.
غضب أبناء دمياط لاستشهاد 3 من أبنائها في مذبحة بور سعيد عبروا عنه من خلال وقفات لاحقة طالبت بالقصاص ممن دبر المذبحة وشارك فيها، كما لم ينسه أصدقاءه وتتابعت الدعوات له بالمغفرة والرحمة.