بلال جابر.. صاحب القلب الحلو
تمنى الصعود للقمر والحديث بأكثر من لغتين والحج والشهادة إضافة إلى أمنيات أخرى، وتميز بقلب “مختلف” تبادر لأكثر من شخص أن يعده في مقدمة مزاياه حين الحديث عنه وعن مناقبه، ونال الشهادة بعد أقل من شهر من التحاقه بالجامعة.
بلال علي جابر (19 سنة) طالب السنة الإعدادية بكلية الهندسة في جامعة عين شمس، أصيب برصاصتين في قلبه خلال مشاركته بإحدى المسيرات الرافضة لـ”إنقلاب يوليو 2013 ” في مدينة نصر، شرق القاهرة، وذلك يوم الجمعة، الموافق 11 أكتوبر 2013، لينال الشهادة وحده من بين آلاف المتظاهرين في ذلك اليوم.
بدأت مجريات الأحداث، بمرور عربة ترحيلات تابعة لقوات الأمن، بشكل مستفز بين المتظاهرين في شارع عباس العقاد، ما دفعهم لاعتراضها وكتابة عبارات مناهضة للنظام، ليفاجئهم أحد الضباط بهجوم مباغت وإطلاق رصاص حي عليهم، فسقط بلال ليفارق الحياة فوراً، نتيجة إصابته مباشرة في قلبه، كما وقع عدد من المصابين.
ظهرت صور ومقاطع فيديو للحادث، وبينت إصرار الضباط وأفراد الأمن لحظتها على منع المتظاهرين من الوصول إلى بلال ومحاولة إسعافه وإنقاذه من الموت، ليظل ينازع حتى فارق الحياة.
استقبلت والدة بلال الخبر برضا وثبات، وخلال تشييع جثمانه أطلقت الزغاريد رفقة نساء أخريات، وحين أرادت وصفه في حديثها عنه، قالت إن قلبه “حلو”، لافتة إلى أنه كان حريصا على تحسين سماته وحياته، وتطوير إمكانياته، وكان بارا بها وبوالده.
قالت شقيقته في حوار لإحدى شبكات التواصل الاجتماعي، إنها وباقي الأسرة كانوا مشاركين في ذات المسيرة، إلا أنهم بعد أن عادوا إلى المنزل، وصلهم نبأ فقدان أحد المتظاهرين لحياته برصاص الشرطة، فقالت لوالدتها إنها تتمنى أن يكون ذلك الشهيد شقيقها بلال، وحين أبدت الوالدة استغرابها لهذه الأمنية، بررت ذلك بأن بلال كان يتمنها كثيرا وعبر عن ذلك مرارا، وهي ترجوا إن اختاره الله شهيدا أن يشفع لهم يوم القيامة.
إيمانه بصدق نيته كان عميقاً، تحكي أخته في مداخلة هاتفية كيف أنه في صباح ذلك اليوم، تساءل، “هل إذا مت شهيدا سيتقبله الله؟”
كان بلال ذا هم وبصيرة، حريصا على المشاركة بكل ما هو متاح في سبيل رفعة وطنه واستنقاذه من الظلم والفساد، ولا يكاد يفوت وقفة أو مسيرة، رغم انشغاله بتحصيله الدراسي الذي أهله للالتحاق بكلية الهندسة.
حصل بلال في الثانوية العامة على مجموع 98.5%، وكان حافظا لكتاب الله، حريصا على تلاوته ومراجعته، محافظا على صلاته، لا يكاد يترك فرضا في المسجد، حسبما شهد له أقرانه وجيرانه.
وكان حريصا على تدوين أحلامه وأهدافه ومنها زيادة معارفه في علم النفس والتنمية البشرية، والزواج وأن يرزق بولد وبنت، وأن يرى نهضة بلاده ووحدة الدول العربية وعزة الإسلام، وألا يكره أحدا، وأن يكون مؤثرا في المجتمع، وبر والديه، وأن يحصل على إجازة في حفظ القرآن.
يصف شقيقه عمار رِقة مشاعره، ويدلل عليها بتأثره الشديد وفزعه لمرض قطة كانوا يقتنونها، وكيف أنه بكى حينما مات أحد صغارها، وظل حزينا لأيام، ويستذكر كذلك حرصه الشديد عليه رغم أنه (أي بلال) أصغر منه، وكيف تلقى عنه رصاصة خلال أحداث فض اعتصام رابعة العدوية.
كانت جنازته حاشدة، شارك فيها المئات، وشهدت هتافات غاضبة ضد العسكر ومطالبة بالقصاص العاجل، وتحولت لمظاهرة جابت شوارع مدينة نصر.
ترك بلال أثرا ممتدا في أصدقائه ومن شهدوا لحظاته الأخيرة في الحياة، وفي الذكرى السابعة، كتب الناشط الحقوقي، هيثم غنيم، أن وفاة بلال كانت من اللحظات التي غيرت داخله الكثير، وتركت فيه أثرا لا ينمحي، مستذكرا كيف حرص الضابط إسلام مقبل، المتهم من قبل نشطاء بقتله، على التأكد من وفاته، وحال بينهم وبين الوصول إليه حتى اطمأن لمفارقته الحياة.
وعقب ذلك اليوم المشؤوم، دشن نشطاء حملة على موقع التواصل الاجتماعي لإحياء ذكراه والمطالبة بالقصاص له ومواصلة الثورة، ونشروا من خلال صفحة الحملة التي حملت اسم “كلنا الشهيد بلال علي جابر“، صورا ومواقف له، وطالبوا بمحاسبة القتلة، كما حرص زملاءه في الجامعة على تنظيم مظاهرات ووقفات لإحياء ذكراه والمطالبة بالقصاص له.
كتب أحمد عبد العزيز، مستشار الرئيس الراحل محمد مرسي، ووالد الشهيدة حبيبة، رثاء له، تضمن اعتبار صورته وهيئته دليلا على خطأ تصور ضرورة أن يكون الملتزم مستحق الشهادة ذات هيئة خاصة وسمت محدد، وتساءل، هل تصور أحد الشيوخ أن شابا غضا على هذه الهيئة التي في الصورة، يكتب وصيته، ويخرج طلبا للشهادة؟!
أوصى أن يغسله الداعية المعروف خالد أبو شادي، وهو ما تم، وأكد أهله وذووه أن رائحة المسك ظلت تفوح من جسده خلال وجوده داخل المنزل وحتى دفنه، وهي الرائحة التي أكدت شقيقته بعد 7 سنوات من وفاته أنها لم ولن تنساها.