كريم جونيور.. الشهيد المدلل
نجم منتخب ناشئي محافظة السويس، وقائد ألتراس أهلاوي (رابطة مشجعي النادي الأهلي) فيها، وعاشق النادي ومتابع له أينما ذهب. لم يمنعه من السفر خلفه لمؤازرته خارج مصر سوى صغر سنه وعدم استخرجه لجواز السفر، لكن لم تثنه مخاوف أسرته عن حضور لقاءاته بمحافظات مصر المختلفة.
عبد الرحمن شحاتة، الشهير بكريم جونيور (18 سنة) كان طالبا بمدرسة الصناعات المتقدمة، وهو الابن المدلل لوالديه، حيث كان ابنهما الذكر الوحيد، إضافة إلى فتيات، اثنتان منهن يكبرنه.
كان مدربه في منتخب ناشئي محافظة السويس يتنبأ له بمستقبل باهر في كرة القدم، والاحتراف في هذه اللعبة التي استحوذت على قلبه وكيانه، إلى جانب عشقه لنادي الأهلي، ساعده على ذلك تقبل والديه للأمر، حيث وجداها موهبة مشروعة تجنبه مسار شرائح واسعة من الشباب ممن شغلوا أنفسهم بما لا ينفع.
لم يكن كريم جونيور ولا والداه يعلمون أن هذا “الحب البريء، والعشق المقبول”، سيورداه حتفه في لحظة غدر وخيانة من أطراف خارجية، لا زالت -في تقدير كثيرين- طليقة حرة، رغم مرور نحو 8 سنوات على جريمة “مذبحة بور سعيد” التي كان كريم أحد ضحاياها الـ74.
لم ير الكثير من المتابعين حينها في هذه المذبحة، سوى عقاب جماعي من مرتكبيها لشباب الألتراس على دورهم في ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهتافاتهم في المدرجات والميادين بسقوط حكم العسكر، حيث تواترت شهادات ناجين من المذبحة برصد تعمد ملحوظ من قبل السلطات الأمنية بالغياب وترك الشباب يواجهون مصيرهم.
تحكي والدة كريم بقلب منفطر عن وحيدها المدلل، الذي كانت لا تتوانى في الاهتمام به وتلبية جميع متطلباته، عن بره الشديد بها واستجابته الدائمة لطلباتها.
حتى في رحلته الأخيرة إلى بور سعيد لحضور لقاء ناديه الأهلي مع النادي المصري، ظل يلح عليها إلحاحا شديدا لتسمح له بالحضور بعد رفضها الشديد في البداية، فرغم موافقة والده إلا أنه حرص على عدم الذهاب رغماً عنها.
ومع كل مقابلة بإحدى وسائل الإعلام التي تابعت تداعيات تلك المذبحة، لا تكاد الأم المكلومة تسيطر على دموعها، وتستشعر مع كلماتها وكأنها المرة الأولى التي تصف فيها ألم الفراق، تقول: “كنت أعلم قبل الجميع أنه مات في تلك الحادثة، فللمرة الأولى في حياته التي لا يجيب فيها على اتصالي.. حينها تأكدت أنه أصابه مكروه”.
وتضيف أم كريم، “قبل الحادثة بيوم قدمت أوراقه للسجل المدني لإصدار بطاقة الرقم القومي بعد بلوغه السن القانوني، وكنت بقوله، بعملك البطاقة يا كريم عشان تبقى راجل وتشتغل في الصيف، وكان يرد علي، كل اللي انتي عايزاه هعملهولك يا أمي زي ما بتعمليلي كل اللي أنا عايزه.. انا استلمت بطاقة ابني لكن من يسلمني إياه الآن”.
أما الوالد الذي ربما تستشعر في حديثه شعورا بالذنب لقبوله ذهاب وحيده إلى تلك المباراة، فيصف بحسرة كيف كانت علاقته بكريم فريدة ومتميزة، فهو صديقه قبل أن يكون ابنه، ويبدي الأسف لمصيره هو وأقرانه من شباب الألتراس، مضيفا “ابني كان بريئا لا علاقة له بأي مشكلات، لم يكن مؤذيا لأحد في حياته.. كان حب النادي الأهلي مسيطرا عليه”.
لا يتمالك نفسه من البكاء حينما يستذكر كيف أنه كان يصرح بأن حلمه هو أن يأخذه ووالدته لأداء العمرة وأن يموت شهيدا، وها قد تحقق حلمه، فموته شهيدا في تلك الأحداث، كان سببا في خروجهما لأداء العمرة، ضمن أهالي شهداء المجزرة، والتي قدمتها إدارة النادي الأهلي لهم.
أخواته عبرن كذلك عن حزنهن الشديد لفقده، فقد كان قريب منهم، تؤكد كل واحدة على وجود علاقة قرب جميلة بينها وبينه، ويحكين كيف أنهن لا يتصورن أنه سيغيب بشكل نهائي عن حياتهن، ويؤكدن أنه برغم دلال الجميع له، إلا أنه كان حريصا على إرضائهن وتلبية طلباتهن.
صدمة الفراق سيطرت كذلك على أصدقاء كريم، وخرجت هتافاتهم له تعبر عن حرقة شديدة لفراقه، وتؤكد وفاءهم لدمه ودم باقي رفاقه من ضحايا المذبحة حتى حصول القصاص ممن شاركوا في سفك تلك الدماء.
وتتابعت فعاليات إحياء ذكراه في سنوات لاحقة، فيما حاول بعضهم التعبير عن تلك المشاعر بإعداد مقاطع فيديو تسجل ذكراه، ورسم جرافيتي له في شوارع مدينته.