محمد بهاء الدين عبد الرحمن .. ذو الشهادتين الصائم
“كان زاهدا في الدنيا.. ولد يوم الجمعة ودفن فيه.. أسأل الله أن يتقبله في الشهداء” كلمات باكية نعى بها عضو مجلس نقابة المحامين السابق بهاء الدين عبد الرحمن نجله محمد (21 عاما) خلال دفنه بعد أن قضى برصاص قوات الأمن خلال فضهم إحدى المظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري.
في الذكرى الأولى للانقلاب العسكري، حيث كانت حماسة شباب ثورة الخامس والعشرين لا زالت متقدة، وغضبهم عارم جراء سرقة حق الشعب المصري في الاختيار، كان محمد على موعد مع رصاصة غدر خلال مشاركته في تظاهرة بشارع فيصل في محافظة الجيزة وهو صائم خلال أحد أيام شهر رمضان.
لم تسلم جنازته كذلك من اعتداء غاشم قامت به قوات الأمن عقب خروج المشيعين من مسجد الصباح بالهرم بعد الصلاة عليه، الأمر الذي أدى إلى تكسير نوافذ عربة نقل الموتى الحاملة لجثمان محمد، وإصابة عدد من المشاركين في الجنازة.
عرف محمد بين أقرانه بتدينه وأخلاقه الحميدة وزهده في الحياة كما شهد له والده، لكن لم يمنعه ذلك من إظهار البهجة والتفاؤل والإقبال على الحياة، وكان آخر ما كتبه على صفحته بموقع فيسبوك قبل استشهاده بلحظات، استحضاره مقولة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب قالها عندما تأخر النصر بإحدى المشاهد، “ما أبطأتم إلا لما أحدثتم من ذنوب فراجعوا أنفسكم”.
كان محمد طيب القلب، تزين محياه ابتسامة هادئة، حسن الخلق، وعندما يشب خلاف بينه وبين غيره، يبادر إلى الاعتذار حتى وإن لم يكن مخطئا، يجنح إلى التسامح والعفو، ولا يحب الشقاق والخلاف.
شارك محمد بهاء طالب كلية الهندسة بجامعة مصر – حسب شهادات أقرانه ومحبيه – في جميع مشاهد الثورة وما سبقها من وقفات تمهيدية، كما حرص على حضور اعتصام مؤيدي الشرعية بميداني رابعة العدوية والنهضة، وما لحقهما من تظاهرات رافضة للانقلاب بمنطقته في محافظة الجيزة حتى أجله في الذكرى الأولى للانقلاب العسكري.
يحكي أصدقاؤه عنه أنه كان يحرص على الاجتماع بعدد منهم مرة كل أسبوع يتدارسون القرآن يتدبرون آياته معا، وكان يتعهدهم بالموعظة الحسنة في خفة ظل ترفع الحرج حين النصح لهم بترك أعمال مخالفة للشرع، كما كان حريصا على خدمة غيره ومساعدتهم ولو بالقليل المتاح لديه.
ظل أصدقاءه أوفياء لدمه، حيث نظموا الوقفات المتتالية للمطالبة باسترداد حقه، وزينت صورته لافتات ظلت محمولة خلال مسيرات طلابية شهدتها جنبات جامعات مصر، كما طبعت صورته على جنبات الطرقات بحرم جامعته إلى جوار آخرين ممن سقطوا ضحايا رصاص أمن الانقلاب العسكري.
دشن زملاؤه حملة سموها “شهادتين” تحكي كيف أن محمد بهاء حاز شهادتين في يوم واحد، حيث حصل على شهادة بكالريوس الهندسة من جامعة مصر، إلى جانب الشهادة في سبيل الله.
ورغم كونه في سن الجامعة وقرب عهده بسن المراهقة، إلا أنه كان حريصا على ألا يُحمل أهله عبء مصاريفه واحتياجاته، يذكر والديه أنه كان لا يقبل أن يأخذ منهم المال كمصروف خاص، إلا تحت إلحاح شديد، وتقول والدته إنه طلب صباح يوم استشهاده مبلغا ولم يقبل بأكثر من 20 جنيه (دولار وربع) رغم إلحاحها الشديد أن يأخذ أكثر.
حرص على تلمس مساحات الزهد واتباع سيرة الصحابة في ذلك، ولم يحب اقتناء الملابس ذات الماركات المعروفة رغم ميسورية حال أسرته، ودائما ما يردد وسط حديثه بين الفينة والأخرى جملة ” ما حدش واخد منها حاجة (يقصد الدنيا)”
تحكي أسرته عنه كيف أنه كان في خدمة أهله، ورغم أن لديه شقيقتان إلا أنه كان حريصا على مشاركتهم أدوار العمل في المنزل ما بين إعداد للطعام وتنظيف المنزل وتنظيمه، ولم يكن يحمل إحداهن عبء متطلباته كما الحال مع الكثير من الشباب في هذا العصر.
غرفته الخاصة كانت انعكاسا لهمومه وتطلعاته، وما يشغل فكره، فالآيات والأحاديث والأدعية المعلقة على جدرانها، جميعها تؤشر على ما يصبوا إليه ويعمل على تحقيقه، وهو الشهادة في سبيل الله، وإحدى تلك الورقات المعلقة كتب عليها جملة “هل أنت مشروع شهيد؟”.
حكى عنه أحد أصدقائه سؤاله له في آخر لقاء جمعهما عن “إيمانيات الشباب” وأظهر همه الشديد بها، كما نقل عنه سؤاله المعتاد لأقرانه عن موقفهم من صلاة الفجر وتعهد وردهم القرآني ونقل آخر عنه أنه قبل رمضانه الأخير الذي استشهد فيه كان يحث أصحابه على الاستعداد للشهر الفضيل ويوزع عليهم كتاب محتوان “الإعداد لجيل يحمل الأمة”