صبري صباح إخفاء قسري ثم قَتل
ما إن أعلنت وزارة الداخلية المصرية في العشرين من يونيو/حزيران 2017 تصفية مواطنين من ضمنهم صبري محمد سعيد صباح (46 سنة) حتى توالت إعلانات أداء العمرة عن الأخير مذيلة بالدعاء له وعلى ظالميه، وتزاحم محبوه بالثناء عليه وعلى أخلاقه في تعليقاتهم على صفحة ابنته سارة صبري.
صبري محمد سعيد، الشهير بـ “صبري صباح”، زوج وأب لخمس بنات، كان يعمل محاسبا، وعرفه أبناء قريته “الدلجمون” التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، بأخلاقه الحميدة وصفاته الحسنة، وبشاشته ووده، ونشاطه التربوي، حتى وصل الأمر إلى أن يجزم بعضهم بأنه لم يتلفظ في حياته بأي لفظ خارج أو سباب.
يحكي أبو معاذ، وهو أحد أصدقاء شبابه من أهل القرية، كيف كان نموذجا فريدا لملازمة المسجد، والسبق إلى صلاة الفجر خاصة، حتى أنه كان يتعهد أهل شارعه لإيقاظهم للصلاة وهو في طريقه إلى المسجد، وكانوا يُكبرون فيه ذلك ويتقبلونه بطيب نفس لأسلوبه الحسن الذي يتبعه لتحقيق هذا الغرض.
عرف كذلك بأثره الطيب في عائلته، فقد كان بارا بوالده، كثير العون له في أعماله، وبارا بوالدته وحنونا موصولا بأخواته الفتيات وأخيه الوحيد، كما كان “نعم الزوج”، حسب شهادة أسرته، فلم تذكره زوجته إلا بخير، ولم تشك منه يوما، بل كان كل حديثها عنه يحكي كرمه وحنانه وحرصه على بناته.
“أبو البنات” كان حريصا على تدليلهن حسب شهادتهن له، حريصا على تنمية مهاراتهن الحياتية والعملية، ولا يترك فرصة للفخر بهن إلا واستثمرها، كما أنهن في المقابل يظهرن فخرهن به قبل وبعد وفاته.
عُرف عنه كذلك نهمه للقراءة وتحصيل المعرفة، فلا تكاد تعرض له مشكلة في حياته إلا وتتبع حلها بالقراءة والسؤال، ومن ثم كان من السهل على أي مستشير له أن يجد لديه مقترحا لكتاب أو مرجع يساعده في الوصول إلى غايته، واستيفاء غرضه من استشارته.
وعلى مستوى همه العام، عرف كذلك بشغفه الكبير بوطنه، والذي جلب عليه المتاعب بعد الانقلاب العسكري في يوليو /تموز2013، فحرصه على الإصلاح السياسي، واتباع الطرق المشروعة لذلك، حسب محبيه، أدى به في النهاية للوقوف أمام “فساد” سلطات الانقلاب، لتمتد مشاركته في الميدان من ثورة يناير 2011 حتى الحراك الرافض للانقلاب.
أعلن بوضوح رفضه لاستيلاء العسكر على الحكم وضربهم عرض الحائط لاختيارات الشعب المصري، فوقف مدافعا عن المبادئ التي طالما آمن بها وسعى إلى تحقيقها بكل جسارة في ميدان رابعة العدوية، وكان صاحب أحد أشهر صور تلك المرحلة التي توثق لمذبحة فض الميدان.
ومع إصراره على موقفه الرافض للانقلاب العسكري، بات مطلوبا لأمنه، ما اضطره إلى أن يترك عمله وصحبة والديه، ومسقط رأسه في قريته التي نشأ بها، وانتقل إلى مدينة السادس من أكتوبر، لكنه لم يترك الميدان، واستمر مشاركا في فعاليات رفض الانقلاب.
وفي العشرين من مايو/أيار 2017، اختطف صبري صباح على يد قوة من الداخلية، أثناء سيره في أحد الشوارع، حسب شهادة ابنته وتوثيق منظمات حقوقية منها التنسيقة المصرية للحقوق والحريات، واقتيد إلى جهة غير معلومة، ليبدأ مسلسل تعذيبه الشديد وإجباره على الاعتراف بتهم لم يرتكبها.
استمرت فترة إخفاء صبري قسريا قرابة شهر، تعرض خلالها لتعذيب شديد حسب توثيق حقوقيين، وتم إجباره على القيام بالتواصل مع أصدقائه وأهله وطمأنتهم رغم أن صوته كان مختلفا، ولاحقا تم القبض على أحد أصدقائه الذي لم يكن يعلم باختفائه القسري، ليصبح مختفي قسريا هو الآخر، وينتهي به المطاف إلى التصفية كذلك.
ظلت أسرته تترقب ظهوره في نيابات أمن الدولة، كما هو المعتاد مع رافضي الانقلاب، إلا أن الفاجعة كانت بورود اسمه ضمن أحد بيانات الداخلية المكررة الصيغة والمعتادة في تلك المرحلة، والتي تقوم على زعم مداهمة وكر لخلية إرهابية، والاشتباك مع أعضائها وقتلتهم في تبادل لإطلاق النار.
اتهم في بيان الداخلية الذي نشرته على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك قبل أن تزيله بعدها بشهور، بأنه أحد قادة تنظيم معروف باسم “حسم”، يعمل في منطقة مساكن شركة الملح في برج العرب بالاسكندرية.
وثق حقوقيون ومنظمات قتل صباح وآخرين خارج إطار القانون عبر التصفية الجسدية، وهرعت أسرته إلى المشرحة في كوم الدكة بالاسكندرية لاستلام جثته، إلا أن الطب الشرعي تعنت في تسليم جثته قبل أن يتم مطابقة البصمة الوراثية له ولذويه.
هذا الأمر دفع ابنته للتساؤل في تقرير بقولها “يعني إيه أروح أشوف بابا يقولي ممنوع تشوفوه، الثلاثة اللي جم مجهولين ولازم تثبتوا إنهم أهلكم!”، ثم تضيف في منشور عبر صفحتها فيسبوك: «يعني إيه استنى الطب الشرعي يحن عليا وياخد بصمتي الوراثية ويطابقها ببابا! مش إنتو يا… نشرين صورهم بأسمائهم بعناوينهم وعندكم تاريخهم كله؟».
خَلُصت البنت المكلومة في تقديرها إلى أن ذلك لا يعني إلا “أنهم (الداخلية) مشوهون الجثة أو أنهم يسعون إلى إتعابهم كي يملّوا ويوقّعوا على الأوراق في صمت”، مؤكدة في نهاية منشورها أنها وأسرتها “لن يملّوا من مطالبة حق والدها”.
يتساءل الناشط الحقوقي المعروف هيثم غنيم بعد أن وثق بدوره تصفية صبري صباح، موجها سؤاله حينها للأحزاب والنخب المصرية، “لماذا لا نسمع لفظ إرهاب منكم إلا بما يخدم هذا النظام البائع لأرضنا والقاتل لشبابنا؟”