مصطفى قاسم.. الباحث عن الحرية حتى الموت
“أريد أن يعلم ولداي أنني كافحت بكل ما أملك من أجل حريتي”.. كلمات كتبها مصطفى لأبنيه ديما وإبراهيم 15 و 17 عام، في رسالة مسربة من سجن طرة، حيث قضى المواطن المصري الأميريكي، مصطفى قاسم (54 عاما)، ما يزيد عن الست سنوات. خرجت الرسالة في في سبتمبر/أيلول 2018، إعلانا منه عن بدء إضرابه الجزئي عن الطعام، والذي تدرج فيه حتى وافته المنية منتصف يناير/كانون أول 2020.
يوم الإثنين الموافق 13 يناير 2020، علمت أسرة مصطفى أنه قد توفي بعد تدهور حاد في صحته، نتيجة الإهمال المتعمد من قبل إدارة السجن في متابعة حالته، أو الاستجابة لمطالبه، حيث كان مستمرا في إضرابه الجزئي عن الطعام والاكتفاء بشرب العصائر فقط.
بدأت قصة معاناة مصطفى، التي استمرت أكثر من 6 سنوات، يوم فض اعتصام رابعة العدوية، في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، قبل ليلة واحدة من موعد عودته إلى الولايات المتحدة بعد أن ألقي القبض عليه بمنطقة قريبة من مقر الاعتصام.
وحسب ما حكاه صهره لاحقا، فقد بدأت قوات الأمن بتفتيش الخارجين من المركز واحتجاز من يريدون احتجازه بعد الاستفسار عن بطاقات هوياتهم، حينها فضل أحمد صهر مصطفى إخراج هويته المصرية، بينما لم يكن لدى مصطفى سوى جوازه الأمريكي (كلاهما يحملان الجنسية الأمريكية) فانهال عليه الضابط ضربا متهما إياه بأنه “جاسوس أمريكي”.
يتابع صهره أحمد الذي تركته قوات الأمن، قصة صهره، فيقول إن الأخبار عن مصطفى انقطعت مدة أسبوعين، قبل أن يظهر في النيابة على ذمة قضية فض اعتصام “رابعة العدوية”، ويتم ترحيله لسجن أبو زعبل العسكري في المنطقة الصحراوية القريبة من القاهرة.
استمر اعتقال مصطفى دون توجيه أي تهم قرابة 5 أعوام، حسب صهره، رغم معاناته من العديد من المشاكل الصحية، بينها السكري وأمراض بالقلب والغدة الدرقية، كما خضع لعلاج ضد سرطان الجلد، وخلال تلك السنوات، عانا كذلك من الإهمال الطبي، وعدم الاهتمام بحالته الصحية المتردية.
وبعد الحكم عليه بالسجن 15 عاما، قرر مصطفى الدخول في إضراب جزئي عن الطعام احتجاجا على الحكم الظالم وما يتعرض له من انتهاكات، والذي استمر عليه قرابة عام و4 أشهر قبل أن تنتهي فصول الحكاية بالوفاة، وتتحرر روحه من سجن الدنيا لتصعد إلى بارئها شاكية ظلم السجان.
تحكي شقيقته إيمان، أن الأسرة حاولت إقناعه بالعدول عن الإضراب، وتناول الطعام، خوفا على حياته، إلا أنه كان مصرا على الاستمرار فيه، حتى الخروج من المعتقل، إما حيا أو ميتا.
ورغم ما كانت تحدثه أنباء إضرابه من صدى، دفع المسؤولين الأمريكيين للتعبير عن رفضهم لاستمرار اعتقاله، إلا أن ذلك لم يتجاوز حد التصريح والإعلان، واستمر تعنت السلطات المصرية حتى وفاة مصطفى.
تقول زوجته أم إبراهيم، إن زوجها تعرض للكثير من الانتهاكات من ساعة ما تم القبض عليه، ومر بظروف صعبة داخل مقرات احتجازه التي تعددت، وكان على وشك أن يكون ضمن من قضوا في سيارة الترحيلات، حيث كان في العربة التالية لها.
كان مصطفى يعمل تاجر قطع غيار سيارات في مدينة “لونغ آيلاند” بولاية نيويورك في أمريكا، لديه ولدان عانيا الكثير خلال اعتقاله، ابنته كانت في السابعة وقت اعتقاله، وابنه كان في الرابعة، حرم منهما كما حرم من الحرية حتى الممات.
كان مصطفى (حسب شهادات معتقلين سابقين) شخصا هادئا ودودا، دائم الابتسام، لا يعاشره أحد إلا أحبه، راضيا بما كتب الله له، لكنه في ذات الوقت كان حازما شديدا في الوقوف أمام ظالميه، مصرا على استحقاقه للحرية، ومن ثم سلك في سبيل ذلك ما يراه موصلا لحقه، وهو مسار الإضراب.
كتب الناشط الحقوقي، محمد سلطان، في مقال بصحيفة واشنطن بوست، أنه كان مسجونا مع مصطفى، معتبرا وافته مأساة لمصر والولايات المتحدة، بعد 77 شهرا قضاها ظلما في سجون مصر سيئة السمعة، تعرض فيها لظروف فاقمت صحته المتدهورة بالفعل.
يصف سلطان شعوره، في أول لقاء له بمصطفى في سجن طرة، وكيف أنه تساءل كيف يمكن لشخص مثله أن ينتهي به المطاف في مثل هذا المكان، وأدهشه مصطفى فورا بروحه اللطيفة وابتسامته العريضة وصوته الهادئ ممازحا له “أنا كبير السن على إثارة المشاكل، على عكسك”.
وقال إنه قُبض عليه عندما كان مارا أثناء تفريق اعتصام رابعة العدوية، وجريمته الوحيدة أنه كان يحمل جواز سفره الأميركي معه عندما اعتقل، مما عرضه “لنزوات” الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويضيف سلطان أنه خلال فترة وجودهما معا قارنا ملاحظاتهما حول الظروف السائدة في مختلف السجون ومراكز الشرطة، مقارنة بتجاربهما مع أساليب التعذيب وحفلات الإذلال التي استخدمها الضباط والحراس ضد السجناء، وأخبره بقصص عن أسرته وحبه لنيويورك وشغفه بمباشرة الأعمال الحرة.
حظي نبأ وفاته بتفاعل واسع من قبل نشطاء بمواقع التواصل، ووثقت العديد من المنظمات الحقوقية النبأ وما تعرض له خلال فترة اعتقاله، وأظهر العشرات غضبهم من “حمق وغباء” السلطات المصرية في التعامل مع حالته.
أسرة مصطفى
الآن تنتظر أرملة مصطفى وأولاده الحصول على الأوراق اللازمة لللعودة إلى الويلات المتحدة، حيث يقيمان بصفة مؤقتة في مصر، دون أي مصدر دخل لهم (بحسب ما قالته في مكالمة هاتفية ل “قتل في مصر”، كما قالت أنها تعافت الآن من المرض الخبيث الذي أصابها في الفترة الأخيرة قبل وفاة مصطفى، وتعتمد أسرة مصطفى الآن على أسرة أرملته في تحمل أعباء الحياة في القاهرة. يذكر أن إحدى الجهات الرسمية المصرية دفعت 420 ألف دولار أمريكي لستة أسر مكسيكية بعد قتل 6 سياح مكسيكين في مصر من قبل قوات الجيش المصري بسبب الشك في كونهم إرهابيين. لم تقدم السلطات المصرية أية تعويضات لأي من ضحايا الانتهاكات والقتل خارج إطار القانون خلال التسعة سنوات الماضية، خلافاً لبعض المعاشات الشهرية لأسر ضحايا الثورة المصرية.