محمد صلاح محمد عبد الرحمن
محمد صلاح محمد عبد الرحمن، 20 عاماً، كان طالباً في قسم عمارة، في كلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة. من سكان حي إمبابة بالقاهرة. كان من مشجعي نادي الزمالك المُحبين له. فرح بعودة مباريات دوري كرة القدم، ثم قرار عودة الجمهور لحضور المبارايات؛ وذلك بعد توقف فرضته مذبحة أستاد بورسعيد التي راح ضحيتها قرابة 76 مشجعًا في 2 من فبراير/ شباط 2012م. في 8 من فبراير/شباط 2015م، تقررت عودة الجماهير لحضور مباراة الزمالك مع إنبي على أستاد الدفاع الجوي، بعد أن قررت السلطات المصرية إقامة المبارايات على أستادات حربية مُدعية تأمينها، وقبل ثلاثة أيام من المباراة صرح رئيس النادي الزمالك في المركز الإعلامي له أن التذاكر ستكون مجانية، ودعا جمهور النادي الأبيض للتكاتف لتشجيعه.
استطاع محمد الحصول على تذكرة لحضور المباراة عن طريق جامعته، له ولعدد من زملائه، مما جعل صلاح يصيح: ”الليلة جينا.. الدوري لينا.. الزمالك هو نادينا”، سار مع صديقه حسين طارق الذي يحكي أنهم تواعدا على الذهاب معا. وعند الساعة الخامسة وصلوا الأستاد، وكان الزحام على أشده.
رأى تدافع قرابة عشرين الف مشجع لحضور المباراة فلم يخف، وإنما فرح بأن: ”الناس هيّصت وقالوا الأمن هيدخَل الكُل، حتى اللي مش معاه تذاكر”، ويكمل صديقه حسين أنه داخل “ممر الموت” أو القفص الحديدي الضخم الذي صنعته الداخلية خصصيًا لهذا اليوم؛ عندها تقلص عدد العشرة من زملائه إلى أربعة فحسب؛ فيما ازداد تلاحم الأجساد وتدافعها، بخاصة مع نجاح قرابة سبعمائة مشجع في اختراق الحاجز الحديدي الضخم الذي يفصلهم عن داخل الأستاد والملعب.
كان جسد صلاح نحيفًا لا يقوى على “المعافرة” وتحمل التدافع فأحمر وجهه محاولًا الاستمرار في الابتسام لتهوين الموقف مقابل تشجيع الزمالك، ولكن الأصوات تعالتْ في حنق: ”واحد ولع شمروخ عشان يرجع الناس”، مع تزايد شعور الشهيد بأن القفص الحديدي لا يصلح للبشر فقال: ”إحنا لو فراخ هنتعامل أحسن من كدة.. إيه القرف ده؟.. إحنا بنموت.. ألحقني بدوخ.. نفسي بينقطع”؛ وتلاشت الكلمات وسط الهياج وصخب المئات فقد بدأ الأمن قبلها في إطلاق قنابل الغاز المُسيلة للدموع مع الضرب بالعصي.
يكمل حسين صديق الشهيد، والذي نجا بإعجوبة: “جُن الناس، العيون تدمع، الأنوف تسيل لا إراديًا، تاه ”صلاح”، تمكن أحد الأصدقاء من تسلق السور، استسلم آخر لجسده السمين فتكوم (سقط) أرضًا، وكان فاضلي ثواني وأموت.. قلت الشهادة وبصيت للسماء”، فالأجساد تُدهس، وحب الحياة يسيطر على الجموع؛ (باختصار) شفت ناس بتضرب بعض عشان تعيش”.
بكى حسين وهو يُكمل: ”كانت مجزرة فعلًا” ويؤكد: “قنابل الغاز (لم تكن تجد) مكانًا لتهبط أرضا (فيه)، فباتتِ الرؤس محطة جيدة للارتطام (بها)، وأصبحت عبارة (بموت) تتكرر بشكل هستيري غير مُصدق”.
سقط قرابة اثنين وعشرين شهيدًا من تأثير الاختناق أو الرصاص الحي، وبقيتْ قصاصات الأقمصة وفانلات الزمالك البيضاء مُلطخة بالدماء، ونجا حسين ليجد هاتف صلاح المحمول معه، فرد على أهله طالبًا منهم عدم القلق مُتذكرًا صديقه منذ المرحلة الابتدائية، ورفيق دراسة الهندسة، وإن اختلفت الجامعة، وصفات صلاح الذي كان: ”مفيش أغلب منه.. كنا بنعمل كل حاجة مع بعض.. محدش شافه غير وحبه، عشق الزمالك ولعب السباحة في ناشئين النادي”، ولكنه بعد خروج حسين من المذبحة فتح هاتفه المحمول ليجد صورة صديقه على صفحة بالفيسبوك وهو شهيد، وفي المشرحة وجده.
في منزله الشعبي البسيط وقف شقيقا صلاح أسامة وحسام يبكيان بشده، فيما جلست والدتهما تبكي بالدور الثاني قائلة: ”ربنا يرحمه ويغفر له، نفسي الناس تقرا له الفاتحة”، وتضيف عن العزاء الكثير المقدم حينها لفقيدها عبر مواقع التواصل: ”كل الناس كانوا بيحبوه، بيوصلي كلام كتير عنه من ناس ما أعرفهاش، لكن معنديش وقت أقرأ”.
أقيمت جنازة محمد في حي العمال بإمبابة، واللاعب الوحيد من نادي الزمالك الذي حضره هو محمد إبراهيم، فيما طافت مسيرة للوايت نايتس شوارع حي المعادي يومها مُنددة بما حدث، وفي الخميس التالي تجمع زملاء الشهيد من الطلاب بالجامعة الألمانية، سواء من قسم العمارة، حيث كان يدرس، أو الأقسام والكليات الأخرى فصلوا صلاة الغائب على روحه والشهداء الآخرين حاملين لافتات بصورهم ومُعتصمين أمام مكتب رئيس الجامعة للمطالبة بحقهم.
لاحقًا لم ترد أخبار أخرى عن الشهيد.
وهنا توثيق ل 13 طالبا سقطوا ضحايا في أحداث الدفاع الجوي ـ شبابيك ـ 8 من فبراير 2017م.