صفوت خليل.. أول ضحايا المذبحة الصامتة
مسلسل ضحايا “المذبحة الصامتة” كان له بداية، ذلك الوصف الذي اعتمدناه لمن قضوا نتيجة الإهمال الطبي المتعمد في سجون النظام، واستمر ليشمل المئات، ولا يزال يحصد الأرواح دون رادع للمتسببين فيه ومتعمدي استمراره.
بدأ المسلسل من لدن الدكتور صفوت خليل (59 عاما) الذي كان أول ضحايا هذه المذبحة، وهو من مواليد محافظة الدقهلية، عام 1954، وتخرج من كلية الصيدلة عام 1978، وهو الأب الروحي لصيادلة محافظته وأحد أعلام هذا المجال ورموزه النقابية والخدمية.
كان الدكتور صفوت مديرا بشركة سيد للأدوية، وهو متزوج ولديه ولدين و3 بنات، وجميعهم قد أنهى دراسته الجامعية، وقد أحسن تربيتهم وباتوا نموذجا يحتذى في المجتمع، ومضرب المثل في التربية الصالحة.
يعد من أبرز مؤسسي نقابة ونادى الصيادلة بالدقهلية، وله إسهام كبير في إنشاء مبنى نادي الصيادلة على النيل بمدينة طلخا بعد أن كانت مجرد حجرة فى شقة صغيرة، ويعرف له الصيادلة دوره المهني والخدمي ويعتبرونه بمثابة الأب الروحي للصيادلة.
قضى سنوات عمره في خدمة الصيادلة والمساهمة في تطوير الأداء النقابي، وهو من أكبر وأقدم نشطاء العمل النقابي بصيادلة الدقهلية، وقد شارك وساهم في جميع الفعاليات والمناشط النقابية.
كان الدكتور عضواً فى لجان التحكيم لحل مشاكل الصيادلة، ويشهد له من عاصروه وعايشوه برجاحة عقله وقدرته على حل المشكلات النقابية بل والشخصية، وكان الجميع يقبل بالحلول التي يطرحها.
من سماته التي يلمسها كل من عملوا معه أو عايشوه، أنه كان متواضعا ودودا، ما جعله محبوبا من جميع جيرانه، كما أن له نشاط وحضور لافت في العمل الخيري، وجهوده مشهودة فى كفالة الأيتام والمحتاجين.
عانى الدكتور من مرض السرطان، وبدأ تلقي العلاج بالجرعات الكيماوية في مستشفى الأورام بالجامعة، وسافر لاستكمال جزء من علاجه في أستراليا، حيث يعمله ولديه، لكنه عاد للخضوع لعملية استئصال الورم، وجرى بتر جزء من قدمه.
تحكي ابنته سمية، قصة اعتقال والدها التي جرت أمام نادي الزراعيين بالمنصورة، يوم فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في الـ 14 من أغسطس/آب 2013، وذلك بعدما توجه لضابط وطلب منه عدم إطلاق النار على المتظاهرين فرفض الضابط ثم اعتقله.
لم يمنع مرضه وآلامه قوات الانقلاب من استمرار اعتقاله ووضعه في السجن رغم مرضه المزمن، وعانت أسرته حتى وافق الأمن على إذن خروجه من السجن لتلقى جرعات الكيماوي ثم عودته للسجن.
ورغم حصوله على قرار إخلاء سبيل من المحكمة يوم 25 سبتمبر 2013، استأنفت النيابة على القرار لرفضه إلا أن المحكمة أيدت الافراج ورفضت استئناف النيابة في اليوم التالي.
ماطلت أجهزة النظام في تنفيذ إخلاء سبيله، وكان قدره الشهادة، حيث فوجئ الجميع بأنباء تدهور حالته الصحية وتسرب خبر وفاته في سجن المنصورة العمومي مساء الخميس 26 سبتمبر، بسبب الإهمال الطبى المتعمد، حيث كان مريضا بالسرطان ويحتاج إلى جلسات العلاج الكيماوي.
وفى اليوم التالي الجمعة الموافق 27 سبتمبر 2013 تم الإعلان عن وفاة الدكتور صفوت خليل، ليكون أول معتقل سياسي مصري يقضي فى السجون وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز المختلفة، بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013.
كان قد سبق اعتقال الدكتور صفوت خليل مرتين إبان عهد مبارك، بسبب نشاطه الخيري وعمله العام، وقدم العديد من التضحيات في سبيل ما يؤمن به، وكان ذا حضور مشهود في دعم الثورة والثوار، وحث الشباب على الإلتحاق بركبها.
تقول ابنته سمية في مداخلة لها، بعد استشهاده، إن والدها كان يتمنى الشهادة، وشهدت جنازته حضوراً كبيراً، أشعرها بأنه يزف إلى الجنان، وكان الناس يهنئونها بخاتمة والدها، ولا يقدمون العزاء.
وأبدت سمية استنكارها الشديد لعدم مراعاة قوات الداخلية حرمة المرض الذي مر به والدها في السجن، ولا حتى حرمته بعد الوفاة خلال جنازته، حيث اعتدت الشرطة ومعها أعداد من البلطجية على الجنازة، وأدت تلك الاعتداءات إلى إصابات خطيرة، وأجبرت النساء على دخول الشوارع الجانبية والبيوت.
كتب زوج ابنة الدكتور صفوت، عقب وفاته “الشهادة تصطفي أنقى من فينا.. لقد مات أعز شخص لقلبي وقلوب كثير من الناس، مات من يحبه كل من رآه”.
كانت جنازة الدكتور صفوت خليل مهيبة حاشدة، شارك فيها الآلاف من محبيه وأهالي مدينته، حتى ظنها البعض مسيرة حاشدة لرفض الانقلاب، حيث كانت تلك الفترة تذخر بالمسيرات الحاشدة الخارجة لهذا السبب، الأمر الذي دفع قوات الأمن لمهاجمة الجنازة ظنا منهم أنها مسيرة، وتسبب الأمر في إصابة العشرات.
سيرت أجهزت الأمن للتحرش بجنازة الدكتور صفوت 4 عربات كبيرة تابعة لها، وإلى جوار تلك العربات، كان “البلطجية” يسيرون بالدراجات النارية، إضافة إلى سيارتين للمطافي، وامتلأت الطرقات التي تمر بها الجنازة برجال الأمن ومعهم ضباط يتواصلون باللاسلكي.
ظلت ذكرى الدكتور صفوت حاضرة في أفئدة محبيه، واستمروا في الدعاء له واستذكار مآثره على مر السنين، كما قام عدد من المخلصين له بأداء العمرة عنه في سنوات لاحقة.