أمين سيد أحمد حسن عباس/عم أمين
أمين سيد أحمد حسن عباس أو “عم أمين” كما كان يُعرف، كان يعمل شرطيًا بوزارة الداخلية قبل أن يستطيع السفر للكويت للعمل بعقد في الدفاع المدني بقطاع شئون العمليات لمدة 26 عامًا، ليعود في إجازة سنوية لحي الوراق حيث كان يحب الإقامة دائمًا قبل مجزرة الدفاع الجوي بشهر واحد تقريبًا ليلقى هناك الشهادة.
اقترح ابنه الأكبر مصطفى (26 عامًا) أن يأخذه في نزهة مع أخيه الطالب بالصف الأول الإعدادي محمد، فالإجازة بقي لها أسبوع واحد وتنتهي، ولا بد من “خروجة” بعيدًا عن الأختين الكبرى ريهام وآخر العنقود سارة، وافق عم أمين، وبعد تفكير اختاروا أستاد الدفاع الجوي لحضور مباراة إنبي، لعلمهم بأن أباهم زملكاوي أصيل، اشتاق لتشجيع فريقه طرف المباراة الأول بخاصة مع طول فترة الغربة؛ بالإضافة لمنع مبارايات الدوري بعد مذبحة أستاد بورسعيد في الأربعاء الأول من فبراير/شباط 2011م، إثر مباراة للأهلي مع المصري هناك أسفرت عن استشهاد نحو 76 مشجعًا، وحتى بعد عودة الدوري جاء بلا جماهير ليسمح لهم أخيرًا بالدخول في المباراة الموعودة بالأحد 8 من مارس/آذار 2015م؛ والتي أقيمت على أستاد حربي ايحاء بحماية حضورها.
من جانبه حذر مصطفى أباه من الحضور بالجلباب الواسع الذي يحب ارتداءه دائمًا مضيفًا: ”صحيح يا بابا مش هينفع تلبس جلابية عشان القلق.. لو حصل حاجة هسيبك أنا ومحمد ونجري”، يقهقه الأب، فيما تحذر الأم ابنها الصغير الأهلاوي محمد من إظهار الفرحة الشديدة؛ إن أحرز نادي إنبي هدفًا، لئلا يثير جمهور الزمالك ضده.
أحضرابنه الأكبر التذاكر، فهو عضو بالنادي لكنه وجد دعوة لنفسه فحسب في البداية، وقبل أن يحزن لعدم حضور أبيه وأخيه المباراة أهداه أحد زملاءه دعوتين لإنه لا يريد الحضور، فيما كان رئيس نادي الزمالك أعلن أن حضورها سيكون مجانيًا قبلها بثلاثة أيام، ويوم الأحد أعدت الداخلية فخًا لمشجعي الزمالك عبارة عن قفص حديدي ضخم في طوله ضيق في عرضه، بحجة تأمين دخولهم.
قبل المباراة أحضرت الأسرة السندويتشات والحلوى، مع اصطحاب علم الزمالك الموجود في غرفة الضيوف دائمًا، مع الاتفاق مع سيارة أجرة خاصة لاصطحابهم من الوراق إلى التجمع الخامس حيث الأستاد، عند الرابعة وصلوا ووجد الأب الزحام شديدًا، حرص في الوقت نفسه على إحضار وإبراز بطاقة هويته التي تثبت انتماءه للداخلية وأراها لضابط يمر فأكد الأخير له:” كله هيدخل لا تقلق”، ويتعالى هتاف ألترس الزمالك فيحضتن عم أمين ابنيه أكثر.
فجأة يتغير ويضطرب المشهد تمامًا ويحكي محمد (12 عامًا) بداية ما حدث: ”ضربوا علينا (الداخلية) بتاع ريحته وحشة (قنابل مُسيلة للدموع) مش عارف أوصفها”؛ كان الأب داخل القفص الحديدي وأنفه قد احمر بشدة، وسالت دموعه؛ وبدأت أيدي وأرجل الآلاف تتدافع فرارًا من الموت؛ مع ضرب الداخلية بالعصي للبعض وبالرصاص لآخرين، وبدأ الاختناق يتزايد فسقط عم أمين مع ابنيه، ويستكمل محمد حكايته: “سمعت بابا وهو بيتشاهد”، فيما قال أحد الحضور للمأساة عنه: “ده كان جنبي وهو بيفارق الحياة.. ومعرفتش أعمله حاجة”، ويؤكد آخر: ”وأنا بهوي (بأسقط) على وشه قاللي خرج ابني.. أنا مش مهم”، وبالفعل تم انقاذ الابنين؛ وعينا الأب تتابعانهما رغم آلامه.
ويجد مصطفى أخاه محمدًا ولكنه يفتقد أباه فيجري لضابط بالداخلية مستنجدًا، وسط دموع أخيه: ”بابا بيموت جوا (القفص الحديدي) عايزين نُدخله”، فيرد الضابط في برود وصلف: ”لو حد منكو دخل هضربكوا بالنار”.
في الوقت نفسه وبالدور السابع من برج المصطفى بشارع هيبة حيث منزل عم أمين كانت زوجته تنتظر المباراة لوعد محمد لها: ” هشاور لكِ في الكاميرا”، لكن الأخير يتصل بها صائحًا: “مش لاقيين بابا”، لتبدأ رحلة البحث عنه، وداخل مشرحة زينهم وجدوه أخيرًا بعد أن ضاعت محفظته بأوراقه الشخصية، وليقول الطبيب لأهله: “لو خدتوه دلوقتي يبقى السبب تدافع.. ولو هتسيبوه كام يوم يبقى نشرح ونشوف”، وتتبعها صرخات الأم بالقبول: ”يعني هي الشرطة هتعترف.. دول معرفوش يحموا ماتش هيحموا الناس إزاي”.
ومع إن عم أمين يُعد أكبر شهداء مذبحة الدفاع الجوي إلا ابنه الكبير قال لأحد المواقع الخاصة: “أبويا عاش ومات في حُب الزمالك.. كان أبسط حاجة أحس بأى تقدير، شهداء بورسعيد صورهم متعلقة في النادي (الأهلي)، والإعلام مُهتم بيهم .. مش عاوز أحس إن (دم) أبويا راح هدر”.
في الثلاثاء التالي لوفاته (10 من مارس/آذار) نشر موقع “أخبار الزمالك” أن أسرة الشهيد حضرت تدريب الفريق الأول لكرة القدم في النادي، والتقط اللاعبون الصور التذكارية معهم.