Event: المذبحة الصامتة
المهنة: مدرس رياضيات
السن: 53

أحمد حسين غزلان.. السجين المتفائل

ضمن مسلسل عمليات القتل البطيء، وما ترتكبه السلطات في مصر من “مذابح صامتة” في سجونها بحق من هم في قبضتها من المعتقلين السياسيين وغيرهم، توفي أحمد حسين غزلان، يوم الجمعة الموافق 31 يوليو/تموز 2015 بسجن الأبعادية بمدينة دمنهور في محافظة البحيرة.

أحمد غزلان (53 عاما) كان قد اعتقل قبل وفاته في السجن بعدة شهور، من منزله في قرية لقانة، بمركز شبرا خيت التابع لمحافظة البحيرة، ووجهة له سلسلة الاتهامات المعتادة والمعدة سلفا بحق المعارضين السياسيين، وأبرزها الانضمام لجماعة محظورة.

لم يكن المعتقل أحمد حسين غزلان يعاني من أمراض خطيرة قبل اعتقاله، إلا أن ظروف السجون المصرية وما يرتكب بحق المحبوسين فيها من انتهاكات، أصابته مثل الكثير بأمراض، تعمدت السلطات تجاهل أضاعهم بل وعملت على مضاعفة الانتهاكات بحقهم.

حيث ترفض مصلحة السجون مع أغلب من تستدعي حالاتهم تدخلا طبيا ملحا وعاجلا حصولهم على حقهم المشروع في العلاج ولو على نفقهم الخاصة، كما تمنع وصول الأدوية الازمة لهم، لينتهي الأمر ببعضهم إلى الوفاة، كما الحال مع بطل قصتنا.

ووثق حقوقيون منهم هيثم بو خليل، ومنظمات حقوقية منها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، خبر وفاة أحمد غزلان بسبب عدم السماح بدخول الدواء له، وتعمد السلطات لإهمال حالته الصحية، وهو الأمر الذي أثبتته شهادات لاحقة لمعتقلين كانوا برفقته ساعة وفاته، وخرجوا في وقت لاحق.

وبعد نحو عامين ونصف، وثق حسام هارون، أحد رفقاء أحمد غزلان، قصة وفاته بشكل مفصل وملابسات مرضه، وكان طبيبا، وكشف عما مر به من شدة وتدهور سريع وحاد في حالته الصحية خلال أيامه الأخيرة، وتجاهل سلطات السجن لذلك، إلى أن توفي يوم الجمعة.

ويكشف كيف سرب إليه الخبر أحد العاملين بالسجن، وما أحدثه ذلك من حالة هيجان واستياء وتذمر، دفعت القائمين على السجن إلى الاعتراف في النهاية بوفاته، لكن النيابة حسب شهادة هارون، كتبت في تقريرها إن سبب الوفاة “هبوط حاد ف الدورة الدموية”.

كتب ابنه محمد، “يكفيني فخرا أن والدي مات بالمرض الذي مات به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الحمى، وأنه توفي يوم جمعة وكان آخر كلامه ذكر وتشهد”.

كان غزلان يعمل مدرسا للرياضيات، ولديه من الأبناء أربعة، 3 أولاد وبنت، وكان معرفا بدماثة الخلق والتدين وحب الدعوة إلى الله، وطيب المعشر، وشهد له الكثيرون بالسماحة واللين، حتى ممن هم في موضع الخصومة له ومن كان لهم دور في حرمانه من حقوقه المختلفة.

كتبت ابنته الكبرى أسماء، تصف مكانة والدها لديها ولدى أسرتها ومحيطه، فتقول في صيغة خطاب له، “25 عاما كنت لي معم الأب، والأحن علي وعلى إخوتي، كما كنت لوالدتنا نعم الزوج، وكنت نعم الأخ والصاحب والجار.. رضي الله عنك ورحمك وغفر لك وتقبلك في الشهداء”.

وتستذكر كيف أنه في آخر لقاء جمعهم طلب منها قراءة سورة يس والنساء، وكان في منتهى السعادة برسالة خطتها له ووضعتها في ظرف، لتضيف “الآن يا والدي سأرسل لك جوابات دون أظرف ولا ورق.. اللهم انتقم ممن ظلمه”.

تحكي أسرته، موقفا كان سببا في طمأنتهم على مآل فقيدهم، حيث استيقظت زوجته بعد وفاته بأسبوع يتملكها تساؤل عما يمكن أن يكون عليه زوجها عند ربه، وهل تقبله الله في الشهداء، وصرحت بتساؤلها لأولادها.

وفي ذات اليوم، جاءهم اتصال من أسرة معتقل كان معه، وكانوا في زيارته قبل وفاته بيوم، وبعث إليهم (أحمد غزلان) برسالة لم يتذكروا توصيلها إلى في هذا اليوم، وكان قد كتب لهم فيها، إنه بخير، ويطلب منهم عدم القلق عليه، فأحسوا أن تأخر بلوغهم إياها حتى هذا اليوم لتصل كرد على تساؤل الزوجة.

كان مما كتبه، وذلك قبل وفاته بـ 5 أشهر، وهو بعد لم يدركه المرض، وريقات خطها بيده عن الموت وعلامات حسن الخاتمة، والمنجيات من عذاب القبر، والشهادة في سبيل الله، ليفسر بعض أسرته ذلك بأنه كان يشعر بدنو أجله وقرب ساعته.

إلا أن آخر ما كتبه قبل وفاته بأيام، رسالة وجهها إلى “الدعاة”، يطلب منهم فيها مراجعة أنفسهم، والتفتيش عن مواضع التقصير قبل التمحيص والتمكين، وختمها بقوله “السعيد من أحسن التعامل مع حدث الابتلاء بما يحقق مصلحة دينه ودعوته”.

رثاه ابنه أسامة بقوله “تركت القلب يدمى يا أبي، واعلم أننا دفنا الشوق في أعماقنا.. لكننا مضينا في رضا واحتساب ولنا لقاء آخر عند رب منعم في جنان ورحاب ولقاء في نعيم دائم”.

بعث أحد مرافقيه بسجن الأبعدية، رسالة يصفه فيها بعد 4 شهور قضاها برفقته في زنزانة، ويحكي كيف كان خدوما ونشيطا ويحمل هم إسعاد من معه على الرغم من كونه من أكبرهم سنا، ويلقي عليهم خواطر عن الصبر والثبات.

كان مما أثر عنه تفاؤله الشديد، ومما نقل عنه في هذا السياق، قوله “نحن قوم التفاؤل وقودنا، والأمل زادنا، والاجتهاد سلاحنا، والتضحية شعارنا، ونصرة الحق لباسنا، وليس لليأس والإحباط مكان بيننا، كيف لا ونحن نتوكل على ربنا، وننصر سنة نبينا، ونحيا بقرآننا، ونسمو بأخلاقنا، ونفخر بإسلامنا”.