محمود خاطر.. افتدى الآخرين ورحل

كان من أوائل من فاضت روحهم في مذبحة بور سعيد، فهو حسب والده، ضحى بنفسه في محاولة لفتح الأبواب الموصدة عمدا أمام جماهير النادي الأهلي، ليساعدهم على الخروج والنجاة من مقصلة أعدت بعناية.

محمد أحمد خاطر (22 عاما) اشتهر بين أقرانه باسم محمود خاطر، أحد شهداء أحداث استاد بور سعيد التي وقعت مساء الأربعاء في الأول من فبراير/شباط 2012، عقب مباراة كرة قدم بين ناديي الأهلي والمصري.

كان محمود يعمل سباكا، وهو من أبناء مدينة المنصور بمحافظة الدقهلية (دلتا النيل) وكان معروفا في حيه ومحيطه بحبه الشديد للنادي الأهلي، وهو أحد أبرز مشجعيه والمنتسبين لرابطتها في محافظته.

يحكي الوالد المكلوم، كيف أنه حين علم بذهاب ولده لحضور المباراة، وبعد أن تبين أنها بين ناديي الأهلي والمصري، وستجرى في مدينة بور سعيد، أخبر بناته ووالدتهم أنه متخوف من عدم عودة ولده، وهو الأمر الذي استنكروه واستغربوه، لكن قلبه كان دليله لذلك.

يأسف والد محمود لما حدث حينها، حيث تسلم جثمان فلذة كبده في كيس أسود، وكانت ملقاة في إهمال تحت أحد سلالم المستشفى التي نلق إليها، دون أي تقرير طبي، سوى تصريح بالدفن لم يذكر سببا واضحا للوفاة ولا من المتسبب.

يحكي الوالد المكلوم عما عرفه لاحقا من أن ابنه الشهيد، كان يحاول فتح الأبواب لجماهير النادي الأهلي للخروج، لكنه خلال تلك المحاولة سقط تحت الأقدام، ما تسبب في إصابته إصابات بليغة أدت لوفاته.

لم ير الكثير من المتابعين في هذه المذبحة، سوى عقابا جماعيا من مرتكبيها لشباب الألتراس على دورهم بثورة 25 يناير، وهتافاتهم في المدرجات والميادين بسقوط حكم العسكر، حيث تواترت شهادات ناجين من المذبحة برصد تعمد ملحوظ من قبل السلطات الأمنية بالغياب وترك الشباب يواجهون مصيرهم.

لم يتقبل الوالد ما يقال إنها أحداث مأسوفة ناتجة عن شحن جماهيري بين محبي الناديين، بل رآها أحداثا مدبرة، لها أهداف مقصودة، مشددا على أنه لن يبرد قلبه سوى أخذ حق ابنه الذي حرم منه وأن تتم محاكمة الفاعلين الحقيقيين أمام أهالي الشهداء، وهو الأمر الذي لم يتم.

فيما تتساءل الأم المكلومة عن سبب ما حدث لابنها، وتقول لم يكن يطمح إلا لمساندة فريقه، فلم يكن مجرما ولا بلطجيا، وكان فردا صالحا، حتى أنه لم يضع سجارة في فمه، متسائلة أين الأمن والجيش من هذه المجزرة.

لا تكاد تتمالك نفسها وهي تقول، إن ابنها الوحيد لا يفارق خاطرها وذاكرتها على كل حال، وهي نائمة تراه في منامها، وهي مستيقظة يحضر طيفه أمامها، وتحكي كيف أنها كانت تتمنى أن تفرح بزواجه حتى قبل شقيقته الكبرى من مكانته لديها وحبها له.

كان محبا لأسرته مهتما بشأن شقيقتيه، وكان يأمل أن يستوفي احتياجات زواجهما، وعبر عن ذلك لوالدته أكثر من مرة.

أما شقيقته سمر، فربما كانت الأكثر عقلانية حين توقعت صعوبة أخذ الحق لشهداء أحداث بو سعيد، حيث تساءلت، هل ترى نجحت السلطات في إرجاع حقوق شهداء ثورة يناير حتى يقوموا بالوفاء بحقوق شهداء بور سعيد.

الغضب سيطر على أهالي المنصورة بعد المذبحة، وكانت جنازة محمود مهيبة حضرها حشود غفيرة، وبعد استشهاده بيوم احتشد المئات أمام منزله، ورددوا الهتافات المطالبة بضرورة القصاص من القتلة ومحاكمة من وراءهم، وتعهد المشاركون بعدم التراجع عن الأخذ بحقه ولو بعد حين.

وفي المرحلة التي حظيت باهتمام وتفاعل رسمي وشعبي وإعلامي مع قضية المذبحة وضحاياها، تمت الموافقة على تسمية أحد شوارع مدينته باسمه تخليدا لاسمه وقصته.

حزن جيرانه عليه كثيرا، وعبروا عن مكانته لديهم وحبهم له، وسعوا لمساندة أسرته والوقوف معها في مصابها، ولم يتفاجؤوا من أن يذيع صيت حارتهم الصغيرة والفقيرة، والتي باتت مزارا لوسائل الإعلام والمتضامنين عقب استشهاد محمود.

في أحيان كثيرة، وخاصة في ذكراه، لم ينسه أحبابه وأصدقاءه بتذكر سيرته وزيارة قبره والدعاء له، وفي الذكرى الثانية له لا زالت الوالدة تحمل ذات القدر من الأسى والحزن عليه، وتعبر عن ذلك وتستذكر بره وإحسانه لها وأخلاقه الحسنة