“احنا الصوت.. لما تحبوا الدنيا سكوت”، هكذا كان ينظر بطل قصتنا لذاته وأقرانه من محبي ناديه المفضل، الزمالك، إلا أن طرفا آخر في الجانب المظلم من الصورة، كان له رأي آخر، حيث أبى إلا أن يسكت هذا الصوت، ليس أثناء متابعة مباراة، ولكن إلى الأبد.
شريف رفعت مسعود الفقي (24 سنة)، من قرية أبو دنيا التابعة لمركز مطبوس، بمحافظة كفر الشيخ، كان طالبا في الفرقة الثالثة بكلية اللغة العربية، في جامعة الأزهر، شعبة الإعلام قسم الصحافة والنشر.
كان شريف طموحا في مساره المهني والعلمي، لم ينتظر حتى ينهي دراسته، فبدأ يتدرب بالعديد من وسائل الإعلام وكان آخرها جريدة “شعب مصر”، حيث كان يهدف لأن يكون لبنة لمشروع إعلامي حقيقي، يقدم “إعلام إنارة لا إعلام إثارة” كما نقل عنه أحد أصدقائه.
“احنا الصوت لما تحبوا الدنيا سكوت، موعدنا غدا في تمام السابعة والنصف في استاد الدفاع الجوي، ومباراة الزمالك وإنبي” كان هذه العبارات من آخر ما كتبه شريف قبل نزوله لمتابعة مباراة الفريقين، في الثامن من فبراير/شباط 2015، ليصبح بعدها أحد ضحايا مجزرة استاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها نحو 20 من مشجعي نادي الزمالك.
وفي هذه المذبحة، قتل 20 شخصا على الأقل وجرح عدد كبير، حين اندلعت أحداث عنف بين الشرطة ومشجعي نادي الزمالك، وزعمت السلطات حينها أن المشجعين حاولوا الدخول بالقوة إلى الاستاد ثم مات بعضهم بسبب الاختناق، لكن شهود عيان قالوا إن رجال الأمن أجبروا الآلاف على المرور عبر ممر يشبه القفص الحديدي، وحين ازداد العدد، حشر الناس بين قضبان الحديد وسحقوا.
كان صاحب اهتمامات عالية، تشغله القضايا المجتمعية الجادة، ويحزنه الإفلاس القيمي المستشري في المجتمع، وكان يرى أن الشباب بشكل عام لا بد له من فهم أوسع لدوره في الحياة.
لم يكن ذا توجه سياسي، ولم يكن ينشغل بالقضايا السياسية، رغم جديته واهتمامه بالشأن المجتمعي العام، ربما ليأسه من هذا المسار في تلك المرحلة من تاريخ مصر، فما شهده مع أبناء جيله من وأد للحريات وإهدار لخيار الشعب، دفع الكثير من أبناء جيله ليأس من التغيير السياسي.
سلك شريف مسار العمل الإعلامي، لأمله في أن يصل صوته من خلال منابر إعلامية يسعى للتميز فيها، ولم يكن يعلم أن صوته سيتم إسكاته بشكل كامل، وهو لا يزال في ريعان شبابه، على عتبة استاد قصده لمشاهدة مباراة ناديه المفضل، رغم أنه لم يكن من رابطة مشجعيه.
كتب شريف قبل أيام من المذبحة التي راح ضحيتها، وفي ذكرى مذبحة بورسعيد ناعيًا شهداء أولتراس أهلاوي على صفحته بموقع فيس بوك: “اليوم هو ذكرى حادثه لن ننساها مهما مر عليها من أزمنة، هي ذكرى مذبحة بور سعيد والتي راح ضحيتها 74 شهيدًا من مشجعي النادي الأهلي”، مذيلا منشوره بوسمي القصاص وزملكاوي.
بعد ساعات من وقوع شريف ضمن المتوفين، حضر والده إلى مشرحة زينهم، وكان بُلغ بأن ولده قتل إثر إصابته بطلق ناري، ونقل موقع مصر العربية، شهادة الصحفي محمد ربيع رسمي، قال فيها إن والد شريف قام بفحص جسده لدرجة أنه جرده من “شرابه” للتأكد من سبب الوفاة.
وذكر رسمي بعدها أن شريف مات مختنقا بالغاز المسيل للدموع وتسببت كمية الغاز الكبيرة في حدوث تورم في الرئة كما حدثت في وجهه كدمات بسبب حالة التدافع، وفي النهاية كتب سبب الوفاة مات بسبب التدافع.
أدى طلبة كليته بجامعة الأزهر صلاة الغائب عليه أمامها، فيما أصر زملاء دفعته على تسميتها باسمه، وظل وفاؤهم له وإصرارهم على الأمر مستمرا حتى تخرجهم، حيث حملوا لافتة كبيرة في حفل تخرجهم تحمل اسمه وصورته.
كما نقل موقع مصر العربية عن حسام شاكر، المعيد بقسم الصحافة في كليته، صدمته بعد أن علم بمقتل شريف، حيث قال “صعقت عندما رأيت صورة ذلك الشاب البشوش قد تحولت إلى جثة هامدة على صفحات الآخرين، وإذا بي أدقق، فإذا به شريف الفقي أمعنت النظر، فاكتشفت أنه ذلك الطالب المجد الذي أحببته كثيرا رغم أني لا أعرف عنه انتماءه السياسي أو الكروي”.
وفي مداخلة هاتفية بإحدى القنوات، كان معه فيها أحد قيادات الداخلية، اتهم والد شريف الفقي، وزير الداخلية وعناصرها بالمسؤولية عن قتل ابنه، لأنهم قصروا في استيفاء الإجراءات الأمنية المطلوبة.
أما والدته، فكان نبأ وفاة فلذة كبدها صدمة كبيرة، لم تتحملها، وتوجهت إلى ربها، بالقول “انت عالم بقلبي يا رب وسامعني يا رب وشايفني.. صبرني يا رب.. البلد العفشة أخدت ابني مني”.
شكلت وفاته صدمة لكل من عرفه وعاشره، ومنهم زملاؤه وأصدقاءه، إضافة إلى أساتذته، كما كان لرحم الأزهر دور في التعاطف، وكان من أبرز من نعاه، عميد كليته عبد الصبور فاضل وجميع أعضاء هيئة التدريس فيها، حسب صحيفة البديل.
صفحته التي اختفت لاحقا من على موقع فيسبوك، كانت وسائل إعلام قد رصدت بعد موته امتلاءها بتعزية المعزين وتأبين الأصدقاء والمقربين، وثمنوا انسحاب اللاعب عمر جابر من المباراة تضامنًا مع دماء المشجعين، والتي جاءت وفيّةً لصورة نشرها له شريف على صفحته قبل الحادثة بأيام
كما نعاه طالبات كلية الطب بجامعة الأزهر، وأقاموا معرضا مصورا في فعالية تأبين له، يوضحن فيه كيف قامت قوات الأمن بالمجزرة، ودعوا الشعب المصري للتوحد ضد الانقلاب العسكري الذي كانت هذه المذبحة أحد آثاره المشؤومة.
وكانت تنسيقية الإعلاميين والصحفيين قد نعت بدورها، شريف الفقي، باعتباره شهيدا جديدا للصحافة وأعربت في بيان عن استنكارها لمجزرة استاد الدفاع الجوي، محملة الإعلام الرياضي مسئولية مقتل ضحايا المجزرة ومحاولات شيطنة الالتراس بشكل عام والوايت نايتس بشكل خاص في الفترة التي سبقت المذبحة.