وثق المهندس المصري والكاتب، أحمد فتح الباب قصة أستاذه وشيخه عماد عفت وكتب التالي في ذكرى استشهاده “كان سيدي العماد، رحمه الله، محبا للجمال، داعيا إليه. مكتبه نظيف دوما، لا يدخُلُه ولا يُدخِل أحدا فيه حتى يخلع حذاءه على الباب. وكان متابعا للفنون، يحضر كثيرا من الحفلات والأمسيات، شاعرا مُجيدا، يكتب الشعر ويحفظه، يحب الخطوط العربية، حسن الخط جدا
كان الشيخ عماد، صاحب بيت متناسق يغلب عليه الطراز الإسلامي في مفروشاته، وكان لا يقبل من كل شيء إلا صورته الأبهى، يُجلّد كتبه ويرعاها ويحسن حفظها، ويراجع المقالات، ولا يدع فيها خطأ نحويا إلا أصلحه. يعلِّق على كل شعر أو معنى جميل يراه تعليقا أدبيا، ويغني مع الشباب أغنيات سيد درويش واسكندريلا وغيرها في ميدان التحرير بمنتهى السعادة والحماس.. كان جميلا.
أما عن اللقاء الأول الذي جمع أحمد فتح الباب بالشيخ شيخ عماد عفت يقول فتح الباب: كان الشيخ مشغولا جدا بين دار الإفتاء، ودروس الجامع الأزهر، ودروس في مدينة نصر، ومسؤولياته الاجتماعية تجاه أولاده وأهل بيته، وكثير من الطلبة والأصدقاء الذين كان يرعاهم ويساعدهم في دينهم ودنياهم. ورغم كل ذلك أرسلت له مرة قصيدة كتبتها بعنوان (تراتيل في مقام القبض) أبثُّ فيها بعض شكاياتي من أمور أرهقتني نفسيا حينها. فإذا به يرد فورا باهتمام بالغ أنه يريد أن يراني قائلا: يمكن أتشرف بك في دار الإفتاء في الوقت المناسب لك، فقط اتصل قبلها للتنسيق، أو إن شئت بعد صلاة الجمعة
ذهبت إليه فعلا، ترك كل ما كان يفعل. وجلس معي ساعات يسمع بكل جوارحه، بإنصات واهتمام عجيبين، وينصحني بكل قلبه. وهكذا كان، رحمه الله، إنسانا في المقام الأول. لا يهتم بشيء اهتمامه بإنسان حزين، أو قلب منكسر، أو روح قلقة.
دارت ذات مرة مناقشة حول البطل المقتول (مينا دانيال) فقال سيدي الشيخ عماد: أما عن رأيي فأنا شخصيا مدين للثوار ومنهم (مينا دانيال) بالحرية والخلاص من مبارك وجماعته، وكل ما منّ الله تعالى علينا به في هذه الثورة المباركة، ولا أستطيع شكر الله تعالى حتى أشكرهم جميعا. كم كنت أصحو وأنام وأنا أنتظر اليوم الذي نستيقظ فيه على خبر موت مبارك، بغض النظر عمن يخلفه بعد ذلك، وأقسم بالله لقد كنت أتابع الأخبار في التلفزيون يوميا وأنا أتمنى أن أسمع هذا الخبر، فمنّ الله تعالى علينا بما لم أتخيله ولم أحلم به، ولا أزعم أني حتى شاركت فيه، بل شارك فيه هؤلاء الأحرار الثوار الأبطال الذين صدقوا فصدقهم، ومنهم من لا أعرف وقد مضى إلى ربه من مسلم ومن غير مسلم، مضى وهو يطوق عنقي وعنق أولادي الذين سيخرجون إلى الدنيا لا يرون صورة مبارك ولا يسمعون صوته ولا يتكدرون بشلة الفساد.
ويسرد عن فطنته وإصراره على تحصيل العلم قصة أخرى، حيث كان الشيخ عماد عفت يرغب أن يَدرُس على يد الشيخ الأزهري الراحل عبد الجليل القرنشاوي. وكان الشيخ القرنشاوي مشغولا ووقته ضيقا، وكان الشيخ عماد طالبا نهما حريصا على العلم، فطلب عفت أن يقرأ شيئا من العلم على الشيخ القرنشاوي، فقال الشيخ: ليس عندي وقت إلا الوقت الذي أقضيه في المواصلات، فقال عفت: إذن أقرأ عليكم في المواصلات، فكان يركب مع شيخه الحافلة ويقرأ عليه محطتين أو ثلاثا. ثم ينزل ويذهب إلى بيته بعدها.
وكان عماد عفت ثائرا بكل حواسه ومشاعره، لم يغادر الميدان، ولم يصمت عن الحق، ولم يخش في ذلك لومة لائم، كتب عن جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت باسم مكتب إرشادها، عدم مشاركتها في أحداث (محمد محمود) التي سقطت فيها دماء المصريين الذين نزلوا ميدان التحرير بهتاف “يسقط حكم العسكر”، في رسالة بعنوان مواقف إخوانية، قائلا: “هل يتوقع هؤلاء المحترمون- يقصد الإخوان- أن يقوم هؤلاء- يقصد المجلس العسكري- بتسليم السلطة إلى من سيحاكمهم ويجرجرهم إلى السجون؛ حيث إنهم من أشرف على الداخلية التي انتهكت أعراض الناس واستباحت أجسادهم أحياء وأمواتا. بل والشرطة العسكرية نفسها هي من مارست أسوأ وأخسّ التصرفات التي لم يمارسها حتى نظام المخلوع، وهذا حصل مبكرا، بعد التنحّي، وليس وليد أحداث مؤخرة. لأنهم بكل سهولة لا يعترفون بالثورة، وإنما فقط يعتبرون أن كل الغرض منها هو إسقاط التوريث. أما وقد تم، فهم حريصون على كل النظام السابق ورجالاته؛ لأنهم جزء منه، شاركوا في غيه وظلمه وبيعه للبلد.
الثورة تريد استكمال مسيرتها، وتصحيح خطأ تسليم السلطة لهذا الوكيل الخائن، ولا يكون ذلك إلا بالضغط الشعبي وشبه الإجماع الوطني الذي أظهر الله فعله الساحر، وأقام علينا الحجة بما تكحّلت به عيوننا وتشنفّت به آذاننا في 11 فبراير (يوم تنحي مبارك). فهل بعد هذا نساعد في تضييع سلاحنا الماضي بتضييع الإجماع الوطني، الذي ما حصل أي شيء من مكاسب الثورة إلا به وبالنزول للميادين؟ فهل نترك المجرَّب الذي عندنا من الله تعالى فيه برهان إلى مجلس شعب لا ندري عنه شيئا حتى ولو كانت لنا فيه أغلبية، وبعد أن تكون الجماعة الوطنية قد تفتت؟.
كانت آخر كلمات الشيخ الشهيد، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قبل استشهاده: “ﺛِﻖ ﺑﺎﻟﻜﺮﻳﻢِ ﻭﺃﺣﺴِﻦ ﺍﻟﻈﻨَّﺎ، ﻟُﺬ ﺑﺎﻟﻮﺩﻭﺩ ﻭﺃﻣِّﻞ ﺍﻟﻤَﻨّﺎ، ﻗُﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﻭﻧﻜِّﺲ ﺍﻟﺮﺃﺳﺎ، ﻳَﺴﻤَﻊْ ﺩُﻋﺎﻙ ﻭﻳَﺮﺣَﻢِ ﺍﻷﻧّﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻡ ﺟَﻨﺎﺏَ ﺍﻟﺮﺏِّ ﻭﺍﺧﺪُﻣﻪُ، ﻭﺍﻟﺘَﺬَّ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﺗﻬنا”.
الشيخ عماد من مواليد 15 أغسطس/آب 1959، وكان يعمل أمينا في دار الإفتاء المصرية. حصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1991، وليسانس الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف عام 1997، ودبلومة الفقه الإسلامي العام من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة عام 1999، ودبلومة الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم بالقاهرة.
استشهد الشيخ عفت في أحداث مجلس الوزراء، بعد إصابته بطلق ناري، وشُيعت جنازته في يوم السبت 17 ديسمبر/كانون الأول 2011 من الجامع الأزهر في القاهرة، بحضور الكثير من المشاهير وزملائه وتلاميذه.