أحمد ضياء فرحات.. المبتسم صانع البهجة

“بكل واحد مات واحد خاف و5 نازليين يجيبوا ثأره! الله مولانا ولا مولى لهم” كلمات كتبها بطل قصتنا قبل رحيله بأقل من شهر، كان صادقا فيها فكتب الله له الشهادة التي تمناها برصاصة في الرأس، ضمن ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية في ١٤ أغسطس عام ٢٠١٣.

أحمد ضياء الدين السيد فرحات (18 عاما) ولد عام 1995، وأنهى مرحلة الثانوية العامة من مدرسة الرضوان بمدينة نصر في القاهرة، وكان يستعد للالتحاق بكلية الهندسة، وله 5 أشقاء، كان ترتيبه الرابع بينهم وهم بلال، وجهاد، وإسراء، وأحمد، وأروى.

نشأ بين والدين كان لهما حضورهما في العمل الاجتماعي والدعوي، هما الدكتور ضياء الدين السيد فرحات والدكتورة منى صبحي، وكانت الأسرة محبوبة بين دوائرها المحيطة، اكتسبت ذلك بجميل الخصال والخلق الحسن الذي حرص الوالدين على غرسهما في أحمد وأشقائه.

تقول شقيقته جهاد عن سمت وصفات شقيقها أحمد، “كان دائما مبتسما ومتفائلا في الحياة وبالحياة وكان مصدر سعادة لمن حوله، لديه أحلام له ولأسرته، بل وللعالم بحجم هذا الكون”.

تستحضر آخر ساعاته، فتقول “قبل استشهاده بيوم كان يقدم في كلية هندسة”، لافتة إلى أنه لم ينزل لميدان رابعة لأنه ينقصه شيء، بل كان شابا يعيش في أسرة ميسورة الحال، لكنه نزل “لما رأى من الظلم والعدوان والذل الذي لحق بالشعب المصري”.

تلفت جهاد إلى إحدى مزاياه الرائعة، وهي أنه كان يحرص على مشاركة كل فرد في المنزل فيما يحب، كما كان يحرص على تجميع كل أفراد العائلة في العيد، ويكون هذا التجمع خاصا بالعائلة قبل أي لقاءات مع الأصدقاء والزملاء.

فقدها لشقيقها رغم ما أورثه من حزن، إلا أنها تؤكد على أنها فرحة لاصطفائه واختيار الله له، ومطمئنة بأنه في مكان أفضل من هذه الدنيا، حيث نال الشهادة التي كان يحلم بها ويعمل لها.

تلتقط شقيقته الثانية أروى خيط الحديث، وتستذكر له حرصه على عادة اجتماعية تميز بها في كل عيد، حيث كان يحرص على أن يعطي كل فرد من أفراد العائلة هدية ولو كانت بسيطة، بهدف إدخال السرور في قلوب جميع أفراد الأسرة.

وفي هذا السياق، تحكي عن آخر عيد حضروه سويا والذي كان في اعتصام رابعة، حيث اتفق معها على عمل قائمة بأسماء جميع الأقارب لمعايدتهم وإدخال السرور إلى قلوبهم وأخذ ثواب صلة الرحم.

ويبدو أن اهتمامه بإبهاج أفراد الأسرة واجتهاده في إسعادهم كان سمة حاضرة بشكل واضح، فحتى شقيقه الأكبر بلال يستذكر له ذلك، ويحكي كيف أنه إذا علم أن أحد في الأسرة مهتم بشيء ما، يحرص على أن يفاجئه بهدية من جنس ذلك الأمر الذي يهتم به.

حضوره الطاغي لم يكن قاصرا على أفراد الأسرة، ففقده كان شديدا على أصدقائه وأقرانه، وفي ذلك يستذكر صديقه عمار يوسف مشاركته لهم في تفاصيل مختلفة، وكيف أنه كان فيها على حد وصفه “إنسانا بمعنى الكلمة”

يستحضر في هذا السياق، أيام فريق الكشافة وكيف كان جادا في المهام التي يكلفون بها، مع حضور دائم للابتسامة على محياه، ومع حبه للمرح والجولات الكشفية، كان يحرص على إيقاظهم لصلاة الفجر في همة ونشاط.

يشترك عمار مع أشقاء أحمد في التأكيد على أنه كان يحلم بالشهادة ويعمل لها، وفي سبيلها كان بينهما عهد وهما في المرحلة الإعدادية على الاستشهاد على أعتاب بيت المقدس.

ورغم صغر سنه، إلا أنه كان عميق الفكر، وفي ذلك يحكي صديقه محمد أسامة، حديثه عن فلسفة الحياة وعلاقة الدين بذلك، ومن ذلك ما ضمنه وصيته قبل استشهاده “أشهد أنا أحمد ضياء فرحات أن الله حق والنبيون حق والكتب السماوية حق والجنة حق والنار حق”.

يتذكر له تشاركهم في إحياء يوم عرفة، والتي بدأوها مع بداية اليوم بصلاة الفجر وتلاوة القرآن، وختموها بإحياء الليلة بالقيام حيث أمهم أحمد، وكان خلالها دائم التذكير لهم بتجديد النية في جميع الأعمال لله تعالى.

مشاركته في اعتصام رابعة العدوية، كانت مبنية على عزم وإصرار، وفي ذلك يحكي شقيقه بلال، أن أحمد، ذهب إلى والده، وقال له “بلال سينزل إلى العمل معك، وأنا سأمكث في الاعتصام، لأني مشروع شهيد فلا تضغط علي واتركني.

بعد مذبحة المنصة في ميدان رابعة العدوية، خافت شقيقته جهاد عليه كثيرا، وعندما عاد إلى البيت، نصحته بأن يحترس ولا يغامر خلال مهاجمة قوات الأمن، فرد عليها “هل يرضيك أن أكون جبانا بينما تقولي لي دائما أريدك رجلا في جميع المواقف (..) لو خفت وهربت وغيري فعل ذلك، من سيقف في وجه الظلم”.

قبل الفض بيوم، كان أحمد موجودا في المنزل، وعندما سمع صوت الطائرات وهي تحوم حول ميدان رابعة نزل سريعا إليه٬ وحاول الدخول من مدخل “طيبة مول” فرأى الجثث والقتل في كل مكان وكيف يقوم القناصة باستهدافهم.

في أجواء الدم تلك والقتل الذي طال الكبير والصغير، وفي تمام الساعة التاسعة والنصف، أتاه اتصال من أحد أقاربه يسأله عن مكانه، فقال له “أنا عند طيبة مول وحولي أكثر من 400 شهيد”.

وفي هذه اللحظات، علا صوت الرصاص، وغطى على الحديث، وقال أحمد لقريبه لم أعد أستطيع سماعك، بينما ظل قريبه يرفع صوته ويناديه، وهو يسمع صوت الرصاص يعلو أكثر فأكثر، ليعاود مناداته “أحمد أحمد.. أين مكانك الآن.. هل تسمعني”.

خفت صوت أحمد نهائيا، ويبدو أنها كانت لحظة الاستهداف، حيث طالته رصاصة قناص قاتلة في رأسه ليسقط شهيدا وينضم لكوكبة الشهداء الذين امتلأت بهم جنبات الميدان وشوارعه في هذا اليوم العصيب.

كانت هذه نهاية شاب مصري مفعم بالأمل والعمل وحب الحياة، شارك في ثورة 25 يناير، وكان يحلم برؤية بلده يوما من الأيام في مصاف الدول المتقدمة، إلا أن الانقلاب العسكري وأد ذلك الحلم الذي شاركه فيه الآلاف، وسقط منهم المئات قتلى في سبيل الدفاع عن ذلك الحلم الذي لم يتحقق بعد.