هالة أبو شعيشع.. ست البنات أيقونة المنصورة
من بين 5 نساء كن ضحايا الاعتداء على مسيرة رافضة للانقلاب العسكري في مدينة المنصورة، في يوم الجمعة العاشر من رمضان، الموافق للتاسع عشر من يوليو/تموز 2013، أصبحت بطلة قصتنا أيقونة يتحاكى بقصتها الجميع، كونها الأصغر بينهن، حتى نعاها خصومها السياسيين، وأسموها “ست البنات”
هالة أبو شعيشع، شابة مصرية قُتِلَت أثناء مشاركتها في مظاهرات رافضة للانقلاب العسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي في مدينتها المنصورة بمحافظة الدقهلية، على يد مسلحين موالين للشرطة والجيش، في إحدى الهجمات المعتادة على المظاهرات والاعتصامات بمصر بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 في مصر.
من مواليد 27 ديسمبر/كانون الثاني 1997، وكانت طالبة بالصف الثالث الثانوي، ومعروفة بتفوقها واجتهادها، وترتيبها الثانية بين أشقائها الخمسة، صفية وهالة وهاجر وخديجة وحمزة.
كان والدها يعمل مهندسا زراعيا، وكان لحظة استشهادها مشاركا في اعتصام رابعة العدوية في القاهرة، حيث كانت ترغب في الالتحاق به هناك، لكن القدر كان أسبق باستشهادها في إحدى المسيرات بمدينتها.
كانت هالة معروفة كذلك بنشاطها واهتمامها بالشأن العام رغم صغر سنها، فقد كانت عضوة بفريق “جسد واحد” لنصرة الثورة السورية، وناشطة بحركة “أمناء الأقصى” بالدقهلية وكانت تستعد لدخول الاعتماد القادم للحركة.
وعقب صلاة التراويح في يوم الجمعة 19 يوليو 2013، الموافق ليوم العاشر من رمضان، خرجت هالة في مسيرة حاشدة من أبناء محافظة الدقهلية الرافضين للانقلاب العسكري، والتي انطلقت من أمام استاد المنصورة الرياضي لتجوب بعض شوارع المنصورة.
وحسب شهود عيان، بدأ الهجوم على المسيرة من عدد من “البلطجية” ومعهم أسلحة نارية وبيضاء، بشارع الترعة، وتعمدوا استهداف الجزء الذي فيه النساء والأطفال، ما اضطر المشاركين للركوض ناحية الشوارع الجانبية المؤدية والتي كان بها مسلحون كامنون فيها أيضا، وانهالوا على المتظاهرين بالرصاص الحي والخرطوش.
وخلال تلك الأحداث أصيب العشرات من النساء والرجال، وقتل مباشرة 3 سيدات، هن هالة أبو شعيشع وإسلام على عبد الغني وآمال متولي فرحات، فيما توفيت رابعة وهي الحاجة فريال الزهيري، نتيجة إصابتها بعد أسبوع من الحادثة، كما قضت البرلمانية سهام الجمل، بعد 3 أشهر من الحادثة نتيجة مضاعفات لحقت بها بعد إصابتها في المظاهرات.
وحسب شهود العيان وعائلة هالة، فإنها وصلت جثة هامدة إلى المستشفى العام التابع لجامعة المنصورة، وهي مصابة بثلاث طلقات نارية، اثنان منهم في الصدر وواحدة في الفخذ.
اتهم مشاركون ونشطاء حضروا التظاهرة، أحد رموز البلطجية في المدينة، واسمه السيد العيسوي، بقتل هالة ورفيقاتها، والذي عرف باستعراضاته بالسلاح ضد رافضي الانقلاب، وفي وجود لقوات الأمن دون تدخل منهم، إلا أن الله ابتلاه بالشلل عقب إصابته بالخطأ من قبل قوات الأمن، وظل طريح الفراش حتى وافته المنية بعدها بعامين ونصف.
كان آخر ما كتبت هالة على حسابها بموقع فيسبوك: “عشقنا للشهادة أكبر بكثير من عشقنا للحياة.. لذلك لا تتحدونا نحن الشهادة أسمى أمانينا”.
تقول والدتها في تأثر، رأيتها من النافذة وهي تمر أمام المنزل مع المسيرة، ولوحت لها، ولم أصدق حين أتاني خبر استشهادها بعد ذلك بدقائق.. كان الخبر صعبا علي، لكنها تمنتها بصدق، وكانت تحدثني كثيرا عن تلك الأمنية وتسألني كيف سيكون إحساسي إذا ما استشهدت، وحين دخلت عليها في المستشفى عقب استشهادها وجدتها كالنائمة وهي مبتسمة.
تستذكر الأم المكلومة طبيعة ابنتها وتشير إلى أن أسلوبها في الحياة كان مبنيا على العطاء للناس، والإخلاص والوفاء لهم، وكانت تبذل في سبيل ذلك الكثير، كانت تحب زيارة المريض، وتنبهها للكثير من أعمال الخير والإحسان مما قد يفوتها، كما أنها كانت متوفقة وذكية
بينما تقول شقيقتها صفية، إنها وباقي إخوتها وصديقاتها سيظلون مستمرين على نهج هالة، أوفياء لدمها ودماء باق الشهداء، وسيستمرون في الدفاع عن حقهم في الحرية، ومصرون على الإدلاء بآرائهن مهما كانت الأثمان، مضيفة “هالة شهيدة الحرية وكلنا فداء للوطن”.
أصبحت هالة أيقونة لرافضي الانقلاب العسكري، وتغنى بها الفتيات والنساء، وباتت صورتها حاضرة في أغلب المشاهد اللاحقة لحادثة استشهادها حتى بعد فض اعتصام رابعة العدوية، كما أحيا ذكراها في العام اللاحق زميلاتها الطالبات بوقفة أمام مدرستها في مدينة المنصورة.
ووصل حد التأثر باستشهاد هالة أن نعتها حملة تمرد، على صفحتها بموقع فيس بوك، وقالت إنها “فتاة مصرية تستحق أن يطلق عليها ست البنات هي ومن استشهد معها في اعتداءات المنصورة الغاشمة من قبل بلطجية..”، مضيفة “في الجنة يا هالة.. ملامحها البريئة أضفت استشهادها بإذن الله.. روح الطمأنينة والمودة”.
يحكي والدها محمد أبو شعيشع، في كلمة له أمام المستشفى وقبل دفنها، كيف أنه وجدها كتبت رسالة وهي في الصف الخامس الابتدائي (10 سنوات) وظن في البداية أنه موجه لإحدى صديقاتها ليفاجأ أنها تخاطب فيها ربها، وعنونتها بكلمة (إلى الله)، وبدأتها بـ “أحبك يا الله”، وذكرت فيه كل النعم التي جعلتها تحب الله، مما جعلني أتيقن أنها على علاقة قوية بربها لذلك اصطفاها شهيدة.