مريم مكرم نظير
مريم كانت ابنة وحيدة بين شقيقين، ميلاد، 19، وكيرلس،12، يحكي والدها عنها أنها كانت روح البيت وبهجته، طالبة متفوقة وابنة كريمة الأخلاق. يقول والدها عن واقعة قتلها: في يوم جمعة الغضب، كنا نجلس نشاهد ما يحدث في الشوارع في التليفزيون، وكانت تأتي أصوات إطلاق النار المتكررة، لأننا نسكن أمام قسم شرطة الزاوية الحمراء، فجأة قامت مريم وقالت أنها تريد أن تصور ما يحدث بهاتفها لتريه لأصدقاءها في المدرسة والكنيسة، أما أنا فشعرت بقلق على ابني الكبير، لأنه لم يكن في البيت، فخرجت أبحث عنه وصعدت مريم ما أمها إلى سطح المنزل، عندما خرجت وجدت الضباط يطلقون النار بصورة عشوائية، وكأنها معركة حربية وأخذت أساعد في نقل الجرحى والمصابين مع ابني. فوجئت قرب الساعة السابعة صوت صراخ قريب من بيتي، جريت وابني ميلاد وصعدت إلى سطح البناية لأرى أصعب مشهد في حياتي، كانت زوجتي تحتضن مريم التي غطى الدماء المكان كله.
صرخ الأب سألا عما جرى، قالت الأم أن رصاصة دخلت في وجه مريم ونحن واقفون. نظر الأب حوله فوجد العساكر يعتلون أسطح العمارات المحيطة. حمل الأب مريم إلى مستشفى الدمرداش، ولم تكن أي غرفة متاحة لاستقبال مريم، ولم تتاح لمريم غرفة عمليات لمحاولة إخراج الرصاصة من فكرها إلا في الثانية صباحاً، بعد أن حضر طبيب أنف وأذن وحنجرة لمحاولة استخراج رصاصة من الفك، دخلت من الخد الأيمن وقطعت شريانين وأدت إلى شلل نصفي في الجهة الشمال ونزيف حاد.
خرجت مريم من غرفة العمليات إلى غرفة الرعاية المركزة، وأخذت والدتها تبكى وتقول أعلم أن ابنتي ستموت، وهي كانت تعرف منذ حادثة كنيسة القديسيين وتستحث زوجها على فعل شئ، ولم يكن من الأب سوى الرد: “ماذا أفعل؟ الرصاص من الشرطة والاختيار من الله.”
في السادسة صباح 29 يناير فاضت روح مريم إلى السماء، وعادت أسرتها إلى المنزل دونها بعد أن تغيرت حياتهم للأبد، يقول الأب:”مريم كانت سري، عندما أكون مهموماً كانت تسري عني وتقول لي بكرة لازم يكون أحلى.”
مريم كانت محددة خطبتها بعد ثلاثة أشهر، وكانت تنتظر كل زميلاتها أن يأتوا لتهنئها، لكن للأسف جاءت صديقاتها ليس للتهنئة بالعيد أن المشاركة في خطبتها، لكن في عزاءها.
بعد أن والد مريم بإجراءات الدفن عاد للمستشفى للحصول على تقرير التشريح والذي كُتب فيه أن الوفاة كان سببها هو طلق ناري في الرأس واستعدته النيابة لأخذ أقواله، ثم تم حفظ التحقيق لعدم توجيه الاتهام بالقتل لأحد، لاحقاً تم ضم اسم مريم لقائمة شهداء الثورة.
أما عن التعويضات المالية، فتقول أمها أن أموال الدنيا لا تعوضها ضحكة بنتها “أصبح بيتنا سجناً دونها، لا أستطيع أن أنام، كل ركن في المنزل يذكرني بها، لم تكن تفارقني”، أما والدها فيقول في حوار أجرى معه قبل الذكرى الأولى للثورة المصرية، “سوف تقوم الحكومة بتكريم الشهداء والاحتفال بأسرهم في ذكرى الثورة، على ماذا الإحتفال؟ هل تم محاكمة مبارك؟ هل سيخرج براءة؟ مر عام دون أن يكون هناك أي إشارة على تحقيق العدالة، فعلاما الإحتفال؟ هل استهزاء بنا؟”
لازال والد مريم الذي يعمل نجار مسلح، يذكر مداعبة مريم له وهي تقول: “يا رب يا بابا تبني عشر عمارات علشان تبقى غنى.” فيرد عليها: ” زعلانة يا مريم علشان أننا على قد الحال؟” فيكون ردها: “أنت أعظم أب في الدنيا.”