مروان جلال إبراهيم فرج الله
آلم مروان جلال إبراهيم فرج الله أنه حتى بعد أربعة عشر عامًا من تخرجه من كلية الحقوق لم يستطع أن يعيش حياة كريمة، أو حتى يفتتح مكتبًا خاصًا به يزاول من خلاله مهنة المحاماة، حتى أنه اضطر في النهاية لفتح مكتب للتجارة في العقارات برفقة شقيقه إبراهيم الذي يصغره بستة أعوام، بالإضافة لصديق عمره أحمد السني.
يقول شقيقه إبراهيم نقلًا عنه: “خرجنا يوم (الجمعة) 28 يناير، قررنا أن نحرر أنفسنا من الذل والإهانة؛ فبلدنا خيرها كثير لكن كنا نشعر أنه مش لأهلها؛ (بل) لناس تانية .. عصابة تعمل ليل ونهار عشان تمص دمنا وتسرق أحلامنا ومعاها لقمة عيشنا”. ترن هذه الكلمات في أذنيّ إبراهيم دائمًا لإنها كانت آخر ما استمع إليه من شقيقه مروان؛ الذي أصر على أن يُدخله كلية الحقوق مثله، ويُضيف إبراهيم أن شقيقه لم يكن يستطيع الزواج “لإن الحال على القد، والوظيفة غير موجودة”، والمكتب الصغير لا أحد يعرف هل سيعطي أمولًا لينفق على أسرة أم لا، بحسب تصريحه لحنان بدوي وحنان السمني في كتاب: دماء على طريق الحرية قصص حقيقية لشهداء ثورة 25 ينايرـ دار صفصافة ـ الطبعة الأولى 2011م. إذ استحدث الشهيد (بإذن الله) لاحقًا مكتبًا للاستشارات القانونية بإحدى غرف المنزل؛ والذي غالبًا ما كان أهل منطقته الشعبية يعتبرون استشارته هدية منه مقابل دعوة صالحة.
صبيحة الجمعة استيقظ مروان مبكرًا فاغتسل وصلى ركعتين لله، وطالبته والدته بعدم النزول لميدان التحرير خوفًا من الأذى و”البهدلة” بحسب قولها، فقال لها: “خليها على الله يا أمي” وقبّل يدها وودعها، وذهب إلى نقابة المحامين ليخرج مع زملائه مُرددين عند خروجهم للميدان: “سلمية .. سلمية”، “تحيا مصر”، ومغنين: “بلادي .. بلادي لك حبي وفؤادي”.
صديقه أحمد فيقول:”مروان كان طوب الأرض يعشقه، إنسان طيب ومحترم ويُساعد الجميع، فى يوم قال لي بعدما جاءت له دعوة من مجموعة خالد سعيد على الإنترنت: (يا أحمد لازم كلنا ننزل من يوم 25 يناير الثورة لازم تبدأ من المكتب ده، كفاية اللى حصل فينا طوال السنين اللى فاتت يا ريت نعيش بكرامة بقى)”.
عند مدخل الميدان افترق المحامون عن مروان ومن بينهم شقيقه إبراهيم الذي مضى نحو كوبري قصر النيل، فيما كان حصار جنود الأمن من كل جانب، ولانقطاع الاتصالات وأبرزها الهاتفية اضطر إبراهيم للعودة في نهاية اليوم بدون شقيقه، ولما سألته والدته عنه قال لها إنه ظنه عاد للمنزل.
أصرتْ الوالدة على أن ينزل إبراهيم للبحث عن مروان ويروي الأول ما حدث بعدها: “رحت الميدان لقيت مجزرة ومحاولات (بلطجية) لاقتحام المتحف المصرى، وجريت مع الشباب لحمايته، وقلت يمكن ألاقى مروان هناك ولكن بدون فائدة .. رجعت البيت قلت لأمى هو جاى بكرة، بصت لى وهى عارفة أنى بأكذب عليها”.
مر يوم السبت كله دون أن تعرف الأسرة أين الفقيد، وفي صبيحة الأحد 30 من يناير/كانون الثاني وجد إبراهيم هاتفه المحمول يرن، وعلى الطرف الآخر كان صوت عرّف نفسه بأنه موظف في مستشفى الدمرداش ليقول له: “أنت قريب شخص اسمه مروان جلال”، فأجابه: “أيوه أنا أخوه” ففاجأه الموظف قائلًا:”تعالى إلى مُستشفى الدمرداش حالًا لاستلام جثة أخيك، البقاء لله”.
صديق الفقيد أحمد يروي: “(افترقنا) يوم المظاهرة في جمعة الغضب، وعدتُ (بمفردي) لأن والدي كان في حالة سيئة؛ وتُوفى يوم الجمعة (نفس اليوم) دفنتُه؛ وكنتُ مستغربًا أن مروان لم يأت ليأخذنى فى حضنه ويقف معي فى العزاء.. “.
دارت الأرض بإبراهيم بعد مكالمة المستشفى وجرى على صديق شقيقه أحمد؛ فمتى وأين مات مروان؟ ذهب إلى المستشفى وبقية رفقائه يسندونه من شدة تأثره بأن شقيقه صار رقمًا في المستشفى، ولاحقًا قال إن ما يُعذبه أكثر حينها كان: “طب أقول إيه لأمي؟ وإزاى هاتتحمل الخبر؟” وأضاف: “أنهيت الإجراءات، و(وتسلمت) شهادة الوفاة التى جاء فيها: أن أخويا دخل المستشفى مُصابًا بطلق نارى فى الصدر يوم 28 يناير 2011م؛ وأنه حضر إلى المستشفى مُتوفِيا”.
بعد أخذ جثمان الفقيد إلى بيته ودفنه أُصيبت والدته على الفور بمرض السكري ورفضت الاستمرار على نظام حياتها السابقة، ونظرتْ إلى إبراهيم وقالت له: “أنا راضية بقضاء ربنا ومش معترضة، بس عاوزاك تجيب حق أخوك.. انزل الميدان”، فلما ذكرها بأنها كانت تمنع الراحل، قالت له والآن آمرك بأن تنزل لتطالب بحق عريس لم يفرح بزفافه، مشيرة لحوار دار بينها وبين نجلها الراحل؛ إذ قالت له يوم الجمعة أنه يبدو كعريس، فقال له وما يدريها فلعله “عريس السماء”!
عاد إبراهيم لوالدته يوم التنحي فأخذته في حضنها وقالت باكية: “كان نفسى مروان يدوق فرحة كرامة بلاده”، بحسب صفحة الشهيد بصفحة القصاص للورد إللي فتح في جنانين مصر على الفيسبوك في الأول من ديسمبر 2016م.