محمد ياقوت.. درس الهندسة وعشق اللغة العربية
المهندس محمد ياقوت (37 عاما)، أحد شهداء مجزرة رابعة العدوية، تخرج من كلية الهندسة قسم ميكانيكا بجامعة الإسكندرية عام 1998، وترك زوجة واثنين من الأبناء، هما عائشة وأبو بكر.
بعد تخرجه من كلية الهندسة، اتجه إلى العلوم الشرعية والعربية، كما سلك طريق الإلمام باللغة الانجليزية، طامحا إلى استثمار مختلف تلك العلوم في إنجاز مشاريع علمية رائدة.
أتمّ ياقوت حفظ كتاب الله وهو في عامه الجامعي الأول، وأتقنه أيما إتقان، حتى كان يحفظه بالصفحات وأرقام الآيات، حسبما ذكرت زوجته طاهرة عامر، ثم اتجه إلى تحفيظه في مسجد المواساة بالإسكندرية، واستمر في ذلك أكثر من 10 سنوات، كما التحق بمعهد عالية القراءات وأتمه 2005 عام.
التحق كذلك بكلية دار العلوم، وكان عاشقًا للغة العربية وعلوم الصرف والاشتقاق، وسجل رسالة الماجيستير في مقارنة الأديان، كما سعى للحصول على دبلومة الترجمة التحريرية في الجامعة الأمريكية، فقد كان أحد حلميه، إعداد مشروع يعمل من خلاله على ترجمة مصطلحات علوم الهندسة إلى العربية.
التحق كذلك بكلية علوم القرآن بطنطا عام 2007، وأتمها في العام الذي سبق استشهاده، ونال شهادات من معاهد دعوية عدة بمحافظتي القاهرة والإسكندرية، وعمل في آخر 3 شهور من حياته إماما لأحد مساجد شارع عباس العقاد القريب من ميدان رابعة العدوية.
حصل ياقوت على إجازة من شيخ عموم المقارئ المصرية الشيخ المعصراوي عام 2008، وكان عضوًا ناشطًا في جمعية “تبليغ الإسلام” بالإسكندرية، ثم أسس فرعًا لها في القاهرة باسم جمعية “أحسن القول”، وكان لا يتخلف عن أي مناظرة أو محاضرة في مقارنات الأديان.
كان محبا لتحصيل العلوم كثير القراءة، يمتلك مكتبة ضخمة في منزله، حسب زوجته، التي قالت إنه أورثها عشق القراءة، وفرح جدا حينما كشفت له عن نيتها الالتحاق بكلية دار العلوم التي تخرج منها، وكان سيصحبها لتقديم أوراقها إليها نهاية الشهر الذي استشهد فيه.
تقول عنه زوجته، إنه كان من أزهد الناس، يبخل على نفسه كثيرًا، لكنه ينفق ببذخ على العلم والدراسة، وكانت له أعمالًا خيرية في الخفاء والعلن، وكان يحب السوريين ممن لجأوا إلى مصر بعد تدهور الأحوال في بلادهم، وكان يعاون كثيرًا منهم.
تحكي زوجته عن يوم فض ميدان رابعة الذي استشهد فيه، حيث نزل بنية “قول كلمة حق عند سلطان جائر، والمعاونة في رفع الإصابات والجثث”، وتصف كيف كانت قلقة عليه متخوفة من أن تفقده، ما دفعها إلى تتابع الاتصال به، والإلحاح عليه للعودة، ليضطر في النهاية إلى الانفعال عليها فسلمت أمرها لله.
وبعد انتظار، عاودت الاتصال عصرا، ليرد عليها شخص آخر ويخبرها بأن صاحب الهاتف قد مضى شهيدا، فمادت بها الأرض وصرخت بصوت مرتفع: “محمد زوجي.. إنا لله وإنا إليه راجعون إنا لله وإنا إليه راجعون”، وترك الأمر أثرا على أطفالها الذين شهدوا ردة فعلها.
تحكي شقيقته هالة، عن معاناة استخلاص جثمانه من مسجد الإيمان ونقله إلى مسقط رأسه في الإسكندرية، ثم تغسيله، حيث نقلت شهادة مغسله الذي قال إنه يقوم بتغسيل الموتى منذ 22 عاما لم يشم مثل رائحة المسك التي كانت صادره من جسد محمد، ودفن يوم الجمعة 16 أغسطس.
تتابعت شهادات محبيه له وتعبيراتهم عن الصدمة لفقده، وتوالت الدعوات له بالرحمة والقبول، والثناء على مناقبه وأدواره الدعوية والعلمية، وحرصت جهات متعددة على توثيق استشهاده في فض اعتصام رابعة العدوية.