محمد عبد الحميد عبد الهادي محمد درويش
قرر محمد عبد الحميد عبد الهادي محمد درويش (الشهير بكامبا) يوم “جمعة الغضب” النزول إلى ميدان التحرير؛ ولكنه استيقظ قرب العصر؛ ويبدو أنه كان يعمل حتى ساعة متقدمة من الفجر في محطة تزويد الوقود التي لا يتقاضى اجرًا منها؛ فقط يعمل نظير الإكرامية أو البقشيش كما يُعرف، والده إنسان مُسنٌ بسيط التعليم يعمل في نفس المهنة لكن بمقابل، استأذن محمد منه في المشاركة في الثورة فرفض الرجل بإصرار.
استطاع الاتصال بصديقه ياسر الذي وصل إلى الميدان بالفعل وعاتبه لأنه لم يوقظه مبكرًا ليذهبا معًا؛ عاد محمد لأبيه مطالبًا بالخروج؛ استجاب الأب بعد إلحاح بشرط عدم ذهابه إلى التحرير؛ فقد كان الابن آخر إخوته الثلاثة المتزوجين، وهم: آخ أكبر وابنتان وكلهم مقيمون بعيدًا عن الأسرة.
بالفعل ذهب محمد إلى صديقه ياسر المقيم قريبًا من بيته في نفس حي “الزاوية الحمراء” القاهري؛ وكان جاره عاد من المظاهرة؛ وبوصول شقيق محمد الأكبر زائرًا لأبيه أسرع بالاتصال به مطالبًا إياه بالعودة للمنزل فورًا؛ وهدده إن لم يعد بعقاب شديد، إذ كان الشقيق يرى مع أبيه أن الثورة ليست سلمية، وعزز من هذا المفهوم لديهما بساطة ثقافتيهما وعدم تميزهما بين تعامل الثوار الراقي ورد فعل الأمن العنيف .
اعطى شقيق الشهيد له نصف الساعة فحسب ليكون لديه؛ وبالفعل خرج الأخير من لدى صديقه واتجه نحو البيت، وفي الطريق مرَّ بقسم الشرطة القريب من شارع “أحمد حشاد” حيث يقيم بشارع متفرع منه اسمه “6 أكتوبر”، وبأعلى القسم كان أمين الشرطة الشهير والمقيم في نفس الحي محمد السني وضابط آخر يُطلقان النار بعشوائية على حتى على المارين في الشارع لا المتظاهرين فقط، ولم يكن الأخيرون باقون أمام القسم مساءً وقت مرور الشهيد.
أصابت مُحمَّدًا رصاصة في الرأس كانت السبب في استشهاده؛ فيما عرف أبوه من الجيران بخبر وجود ابنه أمام القسم مصابًا فأسرع بالذهاب إلى هناك فلم يجده، ولما عاد للبيت أخذه الجيران في سيارة خاصة وبحثوا في المستشفيات حتى وجدوا الجثمان، وصَلُّوا عليه في “مسجد النذير” بـ”الزاوية” ليدفن في مقابر “الغفير”
أقرت الدولة لاحقًا لأسرة الشهيد معاشًا استثنائيًا قال الأب عنه في حوار تلفزيوني مع إحدى القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية قبل نهاية 2011م: إنه لا يُعوضُ عن ظُفر من ابنه .. مؤكدًا أن الأخير كان رغم بساطته يحلم بأن يكون “شيئًا مفيدًا” لبلده؛ وأضاف أن تضحية ابنه لم تذهب هدرًا ويكفي أنها جعلت ملايين المصريين يفيقون ولا يخافون من الشرطة.
وأضاف الأب أنه يرى المخلوع حسني مبارك أساس المأساة لإنه لم يرحل لما طالبته الملايين بالتنحي؛ كما تسبب بتهريبه الأموال إلى الخارج في ازدياد فقر المُقيمين في المناطق العشوائية وتخلفها عن التنمية ومنها الحي الذي كان يقيم الشهيد به.
وشدّد على تقديمه بلاغًا للنائب العام ضد السني يتهمه فيه بقتل ابنه؛ وكان الأخير اتهم بقتل 16 آخرين أمام القسم، وهرب من العدالة ودأب على الظهور في برامج فضائية حينها مؤكدًا على عدم إطلاقه رصاص حي، فيما كذّبه شهود عيان، ثم حُكِمَ عليه بالإعدام، لكن في 24 من سبتمبر/أيلول 2016م تمت تبرأته من جانب محكمة النقض في حكم نهائي لا يقبل الطعن.