محمد بيومي.. أسكتوا الصوت الندي
الصوت العذب كان سبيله لقلوب الناس، وسلاحه في رد الخصوم، والذي حتى لم يحاكم على استخدامه، وإنما كان منطق من يحكمون مصر هو الحيلولة بين هذا الصوت وبين الناس، وإسكاته للأبد.
محمد حسين بيومي عطية (26 سنة)، المنشد صاحب الصوت الندي، جاد بصوته وحنجرته في سبيل إيصال قناعاته للآخرين، وإعلان رفضه مصادرة حرياتهم، تخرج من كلية العلوم، ولم يحمل سلاحا ولا دعا لعنف، بل كان – كما شهد له أقرانه ومن عرفه- مسالما محبا الخير للجميع، حتى من أيدوا إستيلاء الجيش المصري على السلطة في يوليو 2013.
“يشهد علينا الزمن بنحب أوطنا.. وكتير دفعنا الثمن.. سالت مدامعنا” بهذه الكلمات وغيرها، عرف محمد بيومي كمنشد مدافع عن حق الشعب المصري، وصدع بها خلال العديد من الفعاليات التي سبقت “مذبحة رمسيس” التي وقعت يوم 16 أغسطس 2013، أي بعد مذبحة رابعة العدوية بيومين.
عرفته منصة اعتصام رابعة العدوية، حيث كانت فقرة إنشاده من الفقرات التي يترقبها الصغير والكبير، وتأخر ساعات عن حضور فض الاعتصام بسبب انشغاله بتسجيل أغنية “تتشل الأيادي” والتي جاءت كرد على أغنية “تسلم الأيادي” التي شارك بها مجموعة من الفنانين المصريين المؤيدين لإنهاء التجربة الديموقراطية في مصر واستيلاء الجيش المصري على السلطة بقيادة وزير الدفاع وقتها ورئيس الجمهورية لاحقاً عبد الفتاح السيسي.
كانت كلمات أغنية محمد بيومي تحمل أمنيات أن يُعاقب كل من استحل دماء المصريين، وحين بدأ تسجيلها صباح الأربعاء 14 أغسطس/آب 2013، سمع والفريق المشارك في أدائها بأن عملية فض الميدان بدأت، وحين التشاور حول إيقاف التسجيل واللحاق بالميدان، فضل إنهاء التسجيل أولا، وقال، من يدري، ربما تكون آخر كلمات نواجه بها الانقلاب.
كان محمد بيومي من قاطني مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وفي أول جمعة والتي تلت فض اعتصام رابعة بيومين، أوصل زوجته وابنه لمنزل والديه، وانطلق للمشاركة في مسيرات الغضب ضد المذبحة التي ارتكبت في فض الاعتصام.
وفي منطقة رمسيس، وبجوار مسجد الفتح، احتشد مئات آلاف الغاضبين من الدماء التي سالت خلال فض اعتصام رابعة، لكن دماءهم لم تسلم أيضا، حيث قتلت قوات الأمن أكثر من 50 من المشاركين في تلك المظاهرات، منهم محمد بيومي.
أصيب بيومي برصاصة أسفل البطن، يوم الجمعة 16 أغسطس 2013، فوق كوبري 6 أكتوبر عند قسم الأزبكية في رمسيس، ولم تفلح محاولات إيقاف نزيفه وإسعافه، كما لم تقبل المستشفيات الموجودة بالمنطقة ومحيطها استقباله، ومن ثم ظل ينزف حتى فاضت روحه.
وحسب شهادات بعض من كانوا مع محمد، فإن إصابته كانت خلال مشاركته في تأمين خروج سيدات محاصرات، تحت وابل رصاص كثيف من قبل من يفترض فيهم أن يكونوا حماة الوطن وأبنائه.
تقول زوجته، إيمان محمود، “محمد كان خلوقا زوجا حنونا من أصل طيب، كان يحب الناس، من يحتاجه يجده سريعا، كان مهتما بنفع إسلامه وبلاده، ولديه حماسة شديدة لاستغلال صوته لصالحهما”.
بينما قالت والدتها (حماته) الدكتورة زينب، إن محمد كان لها بمثابة الابن، وهو أفضل أزواج بناتها الثلاثة كونه اختاره الله للشهادة، لافتة إلى أنه اعتقل مرتين قبل الثورة في سبيل أفكاره ومواقفه الشجاعة، أولاهما كانت أيام خطوبته، والثانية بعد زواجه بشهر، حيث كان مهموما بالعمل العام، وخدمة من معه.
كان محمد يحمل آمالا كبيرة لأن يكون منشدا محترفا يقدم فنا هادفا، وكان سباق للخير، شارك في الكثير من الفعاليات الخيرية، وكان له دور فريد مع الأيتام، يقدم فنه لهم لإسعادهم، وعرف بالشهامة والدفاع عن الأعراض وحب الخير.
“صدق الله فصدقه”.. عبارة كان يرددها كل من يعرفه حين علم بخبره، حيث شهد له الكثيرون أنه كان يطلب الشهادة بإلحاح، وفي هذا السياق تقول والدته، إنه أعطاها جوابا وهي في طريقها إلى العمرة وألح عليها ألا تفتحه إلا أمام الكعبة، وحين فتحته وجدته قد كتب “بالله عليك يا أمي ادع لي أموت شهيد”.
كتب محمد وصيته قبل وفاته بثلاثة أيام، طالب فيها أهله وأحبابه بالصبر والدعاء له بعد وفاته، وتحري الحق لنيل رضا الله، وشدد في توصية أهله بعدم البكاء عليه واحتسابه عند الله وأن يتقبله في الشهداء، وعقب قراءتها لها، قالت والدته إنها مستبشرة خيرا بقبوله، فخلال شهرين بعد وفاته، أهدى متطوعون له أجر 21 عمرة، و4 حجات.
ومما تمناه، أن يؤدي العمرة ويزور بيت الله الحرام، ومسجد رسوله الكريم، وحقق تلك الأمنية قبل وفاته بنحو 5 أشهر، وعلق أحد أصدقائه، “إذا الله أحب عبدا اصطفاه.. حقا لقد أحبك الله يا أخي ولا نزكيك عليه”.
ترك محمد ابنه البراء وهو لم يبلغ الثالثة من العمر بعد، إلا أن ارتباطه الشديد به جعله كثير السؤال عنه، وتذكره في مواقف كثيرة، والنداء عليه بين الفينة والأخرى، والتقطت له أكثر من صورة وهو ينظر لصورة والده.
*****