محمد بشر.. تحايل لينال الشهادة
في الوقت الذي يحمل فيه كثير من الشباب هم التحايل على أهاليهم للخروج ومشاركة أصدقائهم الجلوس على المقاهي أو الذهاب إلى السينما، أو تقضية الوقت في أشكال اللهو الأخرى، كان غرض محمد بشر أنور (19 عاما)، وقصده من محايلة والدته وإقناعها بالسماح له بالخروج مختلف.
الشاب محمد بشر الذي لم يتجاوز العشرين من العمر بعد، اضطر إلى الكذب على والدته التي كانت تخاف عليه ربما أكثر من خوف أي أم على ولدها، كيف لا وهو وحيدها وفلذة كبدها، وفرحتها في هذه الدنيا، وهدفه هو اللحاق بركب رجال ميدان التحرير خلال أحداث شارع محمد محمود التي راح ضحيتها العشرات.
لم يكن محمد يخاف الغاز أو الرصاص أو ما ينقل من روايات الرعب التي تحكى عن ميدان التحرير وشارع محمد محمود، بل كان كل ما يخشاه معرفة والدته بذهابه إلى الميدان، ومن ثم منعها إياه، كان يقدر خوفها وقلقها عليه، لذلك كان حريصا على عدم معرفتها ومن ثم كان التحايل هو السبيل الوحيد لذلك.
ورغم صغر سن محمد، وحب والدته ودلالها له كونه ابنها الوحيد، إلا أنه كان متحملا للمسؤولية، لا يعيش هملا ولا عالة على غيره، فبعد حصوله على دبلوم التجارة بدأ العمل في إحدى شركات المقاولات للمساعدة في احتياجات ومعيشة أسرته البسيطة التي تقطن منطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة.
تحكي أم محمد كيف أن وحيدها طلب منها يوم 20 نوفمبر 2011 السماح له بالخروج مع أصدقائه، لأنه معزوم في فرح، وأنه سيعود في وقت متأخر من الليل، وكان مبتهجا سعيدا، وتؤكد أنه فعل ذلك لعلمه الأكيد بأنها لن تسمح له لو علمت أنه كان ينوي الذهاب إلى ميدان التحرير.
وتبرر أم محمد مطالبتها الملحة له بعد الذهاب إلى ميدان التحرير بخوفها الشديد عليه من أن يصيبه أي مكروه، حيث كانت كغيرها تشاهد ما تنقله شاشات التلفزيون من اشتباكات وإصابات من الميدان ومحيطه ومن ذلك شارع محمد محمود الذي استشهد فيه ابنها محمد.
تقول في حديثها اللاحق لصحيفة اليوم السابع: “محمد ابنى الوحيد ومليش غيره في الدنيا كان كل حياتي، خرج من البيت وهو بيضحك وفرحان، خدوه منى ليه.. حسبي الله ونعم الوكيل”.
تستذكر تلك الأحداث وتعاود السرد بقولها: “بعد مرور ساعات على خروجه بدأ الخوف يدخل إلى قلبي بسبب تأخره، اتصلت بهاتفه المحمول فوجدته مغلقا، فاتصلت بأحد أصدقائه الذي قال لها إن محمد ذهب إلى التحرير مع وأصدقائه، إلا أن دخان القنابل المسيلة للدموع تسبب في افتراقهم عن بعض”.
تملكها الفزع الشديد وأسرع بصحبة أختها إلى الميدان تسابق خوفها على ابنها، وبدأت تبحث عنه في كل أنحائه كما التي تبحث عن إبرة في كومة القش، ولم تجده إلى أن نصحها أحد أطباء المستشفى الميداني بالذهاب إلى مستشفى القصر العيني لوجود مصابين هناك.
توجهت الأم إلى المستشفى وتفحصت أسماء المصابين بقسم الاستقبال إلا أنها لم تجد اسمه فداعب الأمل قلبها مرة أخرى، ثم أخبرها موظف بالمستشفى بوجود 3 جثث مجهولة الهوية داخل المشرحة.
لم تقو على الدخول إلى المشرحة، وطلبت من شقيقتها التي تصحبها الدخول بمفردها، وبالفعل تعرفت الخالة على جثة ابن اختها، وما إن سمعت الأم صراخ أختها داخل المشرحة، حتى أصيبت بالانهيار لتيقنها من استشهاد ابنها الوحيد.
تكفكف أم محمد دموعها خلال سردها لقصة تلك الليلة الأليمة، وتؤكد أنها سامحت فلذة كبدها على كذبه عليها، حتى وإن كان ذلك سببا كما يظهر في فقدانها له وقضائها أسوء لياليها، والتي انتهت بخروج شقيقتها وتأكيدها أن جثة ابنها داخل المشرحة.
يصف الحاج حسن، خال محمد، لوعته حين تلقى اتصالا يخبره أن ابن أخته بمستشفى القصر العيني، ومسارعته إلى هناك ظنا منه أنه مصاب، ليصدم حين الوصول بنبإ استشهاده ويشاهد جثته في مشرحة المستشفى وقد تلقى رصاصة في رأسه وصدره.
لكنه لاحظ كذلك وجود كسر في يده، ما جعله يغلب على ظنه أن ابن أخته أصيب في الاشتباكات مع قوات الأمن قبل أن يتلقى رصاصة الغدر في رأسه.
وفي غضب، يتهم الحاج حسن قوات الأمن المركزي والشرطة بالعودة للانتقام من الشعب، وتصفية حساباتها معه لشعورها بأنها فقدت هيبتها خلال أيام ثورة 25 يناير، ويضيف: “لو أن المجلس العسكري لم يقدم المسؤول عن قتل المتظاهرين فهذا دليل إدانته”.