محمد المرسي أحمد عرابي
رصاصة في الصدر أطلقتها قوات الأمن يوم مذبحة رابعة المشؤوم كانت كفيلة بإنهاء حياة محامٍ ناجح وأب حنون وزوج محب ٬ ومواطن صالح كان يخدم الناس بكل ما يستطيع.
محمد المرسي العرابي 33 عاماً، ولد في قرية حجاجة بمحافظة دمياط٬ التي تبعد قرابة 200 كيلو عن القاهرة٬ وتزوج وأنجب طفلتين هما منة وحنين. وعُرف بأخلاقه الطيبة، وسلامة قلبه، وحبه للخير لأهله ولبلده، وكان من الحافظين لكتاب الله تعالى.
بكلام يقطر شوقا على فلذة كبدها تقول الحاجة فوزية والدة محمد “كان ابني شابًا متميزًا في أخلاقه، وأدبه واحترامه، وجماله، وكان محاميًا ماهرًا، لديه أخلاق ودين وعفَّة، وبعد استشهاده أشعر بأن قلبي قد طُعن بسكين من هول ما حدث لابني، وأدعو الله تعالى يوميًا على مَن قتله، حسبي الله ونعم الوكيل.”
أما والده الحاج المرسى العرابي فقال “كان محمد أحب أبنائي إلى قلبي، كان بارًا بي، ولا يحمل ضغينة أو حسدًا في قلبه الطيب تجاه أحد، كانت له قضية في الحياة يحيا لأجلها وهي خدمة الناس، وتقديم المساعدة للجميع دون انتظار أي مقابل٬ كان يتفقد أحوالنا ويرعانا، ويجلب لنا ما نريد حتى دون أن نطلبه.”
وكأن قتل محمد لن يكن كافياً، يشير والده، بل زاد الافتراء بوصفه إنه إرهابي، يقول الوالد المكلوم “قُتل أبني برصاص رجال الأمن؛ ثم أحرقوه في المستشفى، وأراد الأطباء أن يسجلوا أن سبب الوفاة انتحار في تقرير الطب الشرعي! فكيف لأبنى أن يقتل نفسه بالرصاص ويحرقها بالنار معًا! إلا أن الله تعالى وقف إلى جانبنا، ورفضنا تزوير سبب الوفاة كما كانوا يريدون.”
لا ينتظر والده شيئا، لأن “أموال الدنيا كلها لن تعوضني عن ظُفر واحد من أظافر أبني محمد وحسبي الله ونعم الوكيل فيمن قتلوه وأحرقوه، وأحرقوا قلبي بنار فقدانه، ويتموا طفلتيه من بعده.”
تتذكر زوجته راندة الألم المضاعف في عدم تمكن أسرته حتى من إتخاذ إجراءات قانونية ضد قاتليه “قتلوا زوجي ويتموا طفلتيَّ، ولم نستطع اتخاذ أي إجراءات قانونية؛ لأن الأمن هو مَن قتل زوجي فكيف سيدين القاتل نفسه؟”
كانت أكبر أبناء محمد عمرها ستة سنوات فقط عندما قُتل أبيها، تتذكر منة اباها فتقول “أحب أبى كثيرًا؛ فقد كان حنونًا، عطوفًا علىَّ، يجلب لي الحلويات، ويسعى دائمًا إلى إسعادي.”
وتتذكر منة أول يوم مدرسي بعد مذبحة رابعة بشهرين، عندما طلبت المعلمة من الأطفال الذين توفى الله آبائهم أن يقفوا فلم تقف منة، وعندما سألت المعلمة لماذا لم تقف فأجابت أن والدها شهيد حي يُرزق عند ربه في جنان الفردوس الأعلى، وليس ولم “يتوفى”، فتعجبت المعلمة وبكت.
تتألم منة من فقد أبيها ويزيد الألم أكثر عندما ترى زميلاتها يخرجن برفقة آبائهن، أو عندما يأتي آباؤهن لاصطحابهن عقب اليوم الدراسي، وتقول” أتمنى أن أذهب إلى والدي في الجنة.”
أما عن تفاصيل يوم المذبحة وكيف تلقى الأب الشاب الطلقة القاتلة، فيحكي صديقه المحامي سيد ياسين الذي كان مرافقاً له أنه عصر يوم الثلاثاء الموافق 13 أغسطس 2013 – السابق ليوم الفض – كان برفقة صديقه وكانا عائدين من مسيرة جابت الشوارع المحيطة بمكان الاعتصام، ومررنا على دماء شهداء المنصة، والحرس الجمهوري، فوجدت محمدًا يضع وجهه على الدماء.
فقلت له: ماذا تفعل يا صديقي؟؛ فقال لي: “إنني أشم رائحة جميلة جدًا من هذه الدماء”، ففعلت مثله، لكنني لم أشتَم شيئًا، فقلت له: إنني لم أشم أي رائحة، فقال لي “عجبًا؛ أنا أشم رائحة عطرة من الدماء”
ويتابع الصديق ياسين “كنا نقف أنا ومحمد عند بوابة طيبة مول قبيل فجر يوم المذبحة، وقد ترامت إلى مسامعنا أنباء مؤكدة عن محاصرة الميدان من جانب قوات من الجيش والشرطة والبلطجية؛ تمهيدًا للهجوم عليه، وعند الساعة السادسة والنصف صباحاً، فوجئنا باقتحام قوات الأمن للميدان، وكان الاقتحام من مدخل طيبة مول؛ حيث كنا نقف بالتحديد، وكانت قوات الأمن تطلق القنابل المُسيلة للدموع مباشرة أمامنا، ثم بدأ إطلاق الرصاص الحي من أعلى مبنى المخابرات- المواجه مباشرة لهذا المركز التجاري- باتجاه المعتصمين؛ دون سابق إنذار. وبسبب كثرة الغاز المسيل للدموع فقد وعيي لمدة عشر دقائق، وعندما أفقت، سألت عن صديقي محمد، فقيل لي: إنه أصيب بالرصاص، ونقله رفاقه إلى المستشفى الميداني، ذهبت مباشرة إلى المستشفى للاطمئنان عليه، ففوجئت بأنه أول مصاب نُقل إلى المستشفى الميداني، وكذلك كان أول ضحايا اليوم المشؤوم إلى رحمة الله، كما تمنى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.”
يتذكر ياسين أنه بعد مرور عدة ساعات من اقتحام الميدان، قامت قوات الأمن بإحراق المستشفى الميداني، وكانت جثة محمد المرسى من الجثث التي احترقت، ولكن لا ضير؛ فهو من المنعمين في الجنة بإذن الله.
السيد المرسى شقيق السيد المرسى يقول “عندما ذهبت لرؤية أخي بعد علمنا بما حدث له، فزعت لهول ما رأيت، كانت المشاهد مروعة للغاية، لدرجة أنك تظن أن القتلة الذين قتلوهم ليست في قلوبهم رحمة، ولا شفقة، شاهدت جثثًا محترقة، وأخرى تتناثر فيها الثقوب من كثرة الرصاص الذي تلقته، كانت مناظر بشعة للغاية، ووجدت جثة أخي مع مئات من الجثث ملقاة في الشارع بجوار المستشفى الميداني المحترقة. وعلمت فيما بعد أن قوات الأمن بعدما أحرقت المستشفى الميداني بمَن فيها، استخرجت الجثث وألقتها في شارع مجاور، فوجدت التراب ممتزجًا بالجثث التي منها جثة أخي محمد، وأنا أتساءل لماذا فعلوا بنا ذلك، ما الذي فعله أخي حتى يُقتل بتلك الطريقة البشعة.”