محمد السيد محمود إبراهيم سالم
شهد لمحمد السيد محمود إبراهيم سالم الذين عرفوه بأنه كان شابًا مُتدينًا يحب وطنه وأهله، ولذلك بذل جهده ووقته للمشاركة في أحداث الثورة بخاصة بعد التغيير السياسي الذي حدث في مصر عقب 3 يوليو 2013م، وعزل الجيش لأول رئيس منتخب بطريقة صحيحة، ومع هدوء طباع الشهيد إلا أنه تمنى عندها الشهادة، واستشعر قربها.
وُلِدَ الراحل في قرية العصافرة في مركز المطرية بمحافظة الدقهلية في 14 من فبراير/شباط 1974م، وتزوج وأنجب ولدًا وبنتًا هما: مازن من مواليد 2006، وجنى وُلدِتْ في عام 2009م، وبعد أن نشأ الراحل في قريته وترعرع؛ ذهب إلى العاصمة القاهرة ليعمل عاملًا في شركة المهندس الدولية.
اعتاد الشهيد (بإذن الله) بعد انتهائه من عمله الذهاب إلى ميدان رابعة العدوية في حي مدينة نصر (شرقي القاهرة) مُعتصمًا بقية اليوم، وصباح الأربعاء 14 من أغسطس/آب 2013م لما بدأت قوات الجيش والشرطة فض الاعتصام كان محمد في مهمة تابعة للعمل، فلما سمع بالمذبحة أتصل بشقيقه مؤكدًا أهمية أن يذهبا للميدان، بخاصة مع كثرة الشهداء، وإذاعة فضائية عربية لاستغاثات منصة رابعة.
تواعد محمد مع شقيقه على اللقاء ثم التوجه نحو الميدان، واتصل بزوجته قائلًا لها: “حاسس بأني هأموت شهيدًا”، كانت الأخيرة شاهدت بدورها القتلى في التلفزيون والدماء المُنتشرة في الميدان، فتوسلتْ لزوجها لكي لا يذهب لكنه أصر قائلًا لها: “ذهابي واجب وفريضة للدفاع عن الحق”.
لم يكن الراحل عضوًا في حزب أو جماعة، بحسب تأكيد أصدقائه في صفحته على الفيسبوك، وتحرك عقب صلاته الظهر في المسجد وجدد الوضوء ويقول شقيقه أن نيتهما كانت: “نصرة الحق والدين، وليس لنصرة شخص أو جماعة” ، ورغم عدم وجود وسائل مواصلات في ذلك اليوم إلا أننا استطعنا الوصول لميدان الساعة بمدينة نصر أمام المستشفى الميداني”.
ويضيف شقيق الشهيد: “وحين رأينا الجثث والجرحي، صرخنا بصوت عال، ونحن نبكي وندعو (لهم بالرحمة)، ومن هول المشهد وحالة الهرج السائدة بالمكان، اختفينا (تُهنا) عن بعضنا البعض، ورحت أساعد بعض المُسعفين وأقوم بالتصوير ليشهد التاريخ جرائم هؤلاء الانقلابيين”.
وعن لحظة استشهاد محمد يقول شقيقه: “فجأة .. وجدتُ أخي مُمدداً علي الأرض مُصاباً برصاصة في قلبه، فصرختُ: أخويا، أخويا محمد، وكانت لحظات صعبة، وظل أخى يُردد الشهادة ولا يكف لسانه عنها ويكررها على مدار ساعتين ونصف (الساعة)”، بحسب موقع إخوان الدقهلية ـ 12 من أغسطس/آب 2017م، بعنوان: “في القلب أنتم”.. الشهيد محمد السيد محمود ابراهيم سالم.
سبق للشهيد أن أصيب بخرطوش في الجانب الأيمن من صدره في مسيرة في حي رمسيس في منتصف مايو/آيار 2013م، أي قبل استشهاده بشهر، ولكن حالته بعد الرصاصة التي تلقاها في رابعة كانت أشد، ولخطورتها لم تفلح معها الإسعافات الأولية في المستشفى الميداني، واضطر شقيقه إلى نقله بالإسعاف لمستشفى التأمين الصحي في مدينة نصر، ليدخل قسم الطورائ، وهو يُردد بصوت عال برغم الآلام التي يعاني منها: “اللهم لا تحرمني من لذة النظر الي وجهك الكريم”.
كان آخر ما طلبه الشهيد من شقيقه أن يشرب، فبادر الأخير بسؤال الطبيب الذي قال له: “أشترِ له زجاجة مياه”، عاد شقيق الشهيد ليجده في العناية المركزة، وأخذ يسقيه المياه في غطاء الزجاجة لصعوبة ان يشرب منها.
جاء الطبيب مُسرعًا لإخبار شقيق الشهيد بأنه سيُجري له جراحة عاجلة لأن الرصاصة جرحتْ عضلة القلب، وبالفعل دخل الشهيد الغرفة لكن الطبيب خرج منها لاحقًا لينعيه لشقيقه، أسرع الأخير ليرى الراحل مُبتسمًا بعد وفاته؛ وأصبعه السبابة من يده اليمنى مرفوعًا إلى أعلى، “ووجه مضيء فكانت بشرى الشهادة”، بحسب كلمات الأخير.
قضى أهل الشهيد ليلة الخميس في إنهاء الإجراءات الخاصة بالدفن، و”مأساة” تقرير المستشفى والنيابة حتى استطاعوا العودة بجثمانه إلى مسقط رأسه في قرية العصافرة، وعند تغسيله بعد قرابة ثلاثين ساعة من استشهاده فوجئوا بجثمانه لينًا طريًا كأنه حي، فيما الدماء تنزف منه كأنه توفى وقتها فقط، “فكانت مكرمة من الله تعالى”، (بحسب شقيقه)؛ وفي جنازته خرج الآلاف من أبناء القرية والمدينة والمحافظة لوداعه إلى مثواه الأخير.
اعتاد الثوار في مدينة الشيخ زايد حيث كان الشهيد يُقيم تحية أهله بأسفل البناية التي كان يقيم فيها، بحسب فيديو يظهر مظاهرة يوم الجمعة 30 من أغسطس/آب 2013م.