محمد أحمد إبراهيم عارف
انتمى محمد أحمد إبراهيم عارف (24 عامًا) إلى أسرة بسيطة من قرية الأربعين بمركز فارسكور في محافظة دمياط، ونشأ يتيمًا إذ تُوفى ولده وهو صغير فقام على تربيته شقيقه الأكبر منه بثلاثة وعشرين عامًا خالد، وكان له بمنزلة الشقيق والوالد بخاصة أن الشهيد كان الابن الأخير للأسرة.
في صغره التحق محمد بجماعة الإخوان المسلمين، فتعود على فعل الخير حتى ليحكي شقيقه خالد أن الشهيد اعتاد إخراج نصف أجرته الأسبوعية صدقة في سبيل الله؛ فكان يشتري الأدوية بانتظام لأرملة؛ كما يروي قريبه محمد السيد أن الشهيد كان محبوبًا من جميع أهل القرية حتى أن كثيرين منهم لا يُصدقون خبر رحيله حتى اليوم، بحسب حلقة أحياء في الذاكرة لقناة الجزيرة لقاء مع أسرة محمد أحمد عارف.. رابعة العدوية في 13 من أغسطس/آب 2013م.
مع اتقانه لصنعة مُبلط الرخام ازداد دخله وأيضًا إنفاقه على الفقراء، ويؤكد شقيقه أحمد أن الاسرة لم تعرف بذلك إلا لما زارتها الأسر التي كان ينفق عليها الشهيد بعد وفاته؛ ويضيف أحمد: “رأيته (في) أحد أيام (الإجازة) الجمعة يحمل بعض الأدوات الغريبة، فسألتُه إلى أين يا محمد؟ فقال سأصلح مع أصدقائي الطريق الرئيسي للقرية لإن به بعض الحفر؛ وتؤذي أهل القرية، فقلتُ له: مجلس المدينة هو المسئول عن ذلك؛ فقال لي: نحن نفعل ذلك ابتغاء الثواب من عند الله”.
أما صديقه عمرو شاور فقد كان أحد مُرافقيه في اعتصام رابعة العدوية اعتراضًا على عزل الجيش لأول رئيس منتخب في تاريخ مصر، ويقول: “محمد من أرجل الشخصيات اللي عرفتها في حياتي؛ كان معايا في رابعة يسابقنا كلنا في فعل الخير، فلم يترك مسيرة ولا مظاهرة إلا وشارك فيها مهما تكن الخطورة، ويقول (هي لله شهادة بقول الحق في وجه الظالم) الله يرحمه ويجمعنا بيه في الجنة”، بحسب تقرير محمد أحمد عارف شهيد دمياط الحي.. مثال للتضحية والوفاء والبر ـ إخوان أونلاين في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني 2013م.
كان محمد يستعد لخطبة فتاة والارتباط بها، كما كان يرى أن مستقبله أفضل لولا الرصاص الذي ذهب بروحه بحسب تقرير الجزيرة عنه، تقول شقيقته أم مُنّة التي تكبره بثماني سنوات إنه كان كثير الرزق، ولذلك نصحته بعدم الذهاب إلى رابعة فقال لها: “إنني أدافع عن حريتي، ويكفي أنني أتحدث هناك براحتي فلا يتعرض لي أحد أو يمنعني”.
أما شقيقه خالد فيروي وقائع يوم استشهاده قائلًا: “كان أخي من أوائل الشهداء في الميدان، إذ كان ضمن مجموعة التأمين عند الحاجز الرملي في طيبة مول وأخد رصاصتين في أول دقائق للاقتحام واحدة في الرأس وواحدة في البطن، ثم وقع أسفل الحاجز الرملي ومقدرش زمايله يشيلوه بسبب كثرة ضرب الرصاص الحي”.
ويضيف خالد: “جاءنا اتصال هاتفي من أحد بلدياتنا (محمد الشرباصي)، وقد عرف رقمنا عن طريق استخراج آخر رقم أتصل به الشهيد؛ فأخبرنا باستشهاده، ولكي نستطيع الذهاب لإحضار جثمانه اضطرنا للانتظار حتى الساعة الرابعة عصرًا، وكان يتواصل معنا نجل عمي، فدخلنا على الدائري الخاص بالقاهرة السابعة مساء”.
ويواصل القصة نجل عم الشهيد محمد عبد العزيز عارف فيقول: “كنت مع محمد في رابعة والله ما شفته إلا مشروع شهيد؛ بجد كنا بنحسده على همته في الحق، آخر مرة شفته قبل ما يستشهد كانت في مظاهرة (أمام) وزارة الأوقاف (قرب وسط البلد)، وكان في لجان التأمين ليلة الفض”.
ويستكمل نجل عم الشهيد كلماته قائلًا:”..دخلت مدرعة الجيش دهست جثة محمد فشوهت الجثة تماماً ولم يبقي فيها أي معالم”.
شقيق الشهيد يكمل: “وصلنا مستشفى السلام الدولي (حيث كان جثمانه) الساعة الحادية عشرة ليلاً، لكن الحمد لله فضل (ظل) واحد من أصحابه جنبه .. وعرفتُه من صوابع رجليه؛ لأن عنده علامة مميزة فيهم ومن خلال أغراضه الشخصية اللي كانت مع صديقه .. مكنش فيه مكان في الثلاجة من كتر الجثث واضطرينا نجيب تلج على الجثة”.
حاول الطبيب كتابة تقرير الوفاة على أنها حدثت قبل المذبحة إلا أن أهل الشهيد أصروا على ذكر الحقيقة، ولم تستطع أسرة الشهيد تغسيله بسبب تهتك جسده، ويصف خالد جنازة شقيقه بأنها كانت مهيبة “شارك فيها جميع أهل القرية”.