عمر ورائد.. قرب في الحياة وعند الممات
لا يعني ذكر قصتيهما في رواية واحدة، عدم تقدير لأي منهما، واستحقاق كليهما للانفراد بحكايته، إلا أن ارتباطهما ببعضهما واستشهادهما سويا جعل من الصعب الفصل، فكان من اللازم سرد رواية جامعة تسلط الضوء على ما وقع في حقيقة الأمر، وإن زعمت داخلية النظام أمرا آخر.
عمر شعلان (32 عاما) ورائد سعد (31 عاما)، قتلا سويا في الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير، على يد قوات الأمن، خلال تفريق مظاهرة في مدينة حوش عيسى، التابعة لمركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة، وهم عزل، بخلاف ما ادعى كاذبا بيان وزارة الداخلية.
في الذكرى الرابعة لثورة يناير، خرجت حشود من المصريين في شتى محافظات مصر، لإحياء ذكرى الثورة، والتعبير بشكل سلمي عن رفض ما آلت إليه الأمور بعد الانقلاب العسكري، ولم يرهب المشاركين ما بات معتادا قيام نظام العسكر به تجاه تلك التظاهرات، وعدم تورعه عن ارتكاب المجازر بحقهم.
وبطبيعة الحال، واجهت قوات الأمن تلك المظاهرات بعنف شديد، أدى في نهاية الأمر لمقتل أكثر من 25 شخصا، وإصابة العشرات، فضلا عن القبض على آخرين، لتنتهي الذكرى نهاية مأساوية، زادت من حنق الشارع المصري وغضبه، وإن أعلى إرهاب الدولة حجم الرماد على النار المتقدة.
وبينما عم الأسى عشرات البيوت مع هذه المجريات، كان الأسى مضاعفا في منزل بطلي قصتنا، حيث لم يكتف النظام بتصفيتهما بدم بارد، بل زاد على ذلك باتهامها بمحاولة تفجير عبوة ناسفة، في سياق تبرير قتلهما بصورة بشعة.
الرواية الأمنية كذبها تواتر روايات شهود العيان، الذين أكدوا إجمالا أن قوة أمنية ألقت القبض على كل من رائد سعد رجب وعمر زغلول شعلان، وبعد ساعة تم إعلان مقتلهما مع إعلان الرواية الأمنية المهترئة والمكررة الصياغة.
أما التفاصيل، فينقلها حقوقيون عن شهود عيان حضروا الواقعة، وهي أنه تم اعتقال شقيقها وعمر شعلان من قبل قوة أمنية، وأوغلوا في إهانتهما، حتى قام أحد ضباط الأمر بضرب شقيقها على وجهه، فلم يتحمل سعد وردها بالمثل، فقام أحد العساكر بإطلاق الرصاص على ظهره.
ولهول المشهد، انهار عمر مما رآه، فلم يرحمه العساكر وقاموا بضربه ضربا مبرحا، وأخذوهما وكانا لا يزالا على قيد الحياة، ثم تتوقع أن يكون شقيقها مات متأثرا بإصابته بالرصاص فلم يرضوا أن يتركوا عمر حتى لا يفضحهم فقتلوه هو الآخر.
كما روى شهود عيان أنهم رأوا عمر ورائد برفقة أفراد أمن في عربة إسعاف ورائد ينزف وذهبوا بهما إلى المستشفى، كما شاهدهما آخرون في المستشفى، إلا أن المستشفى لم يقبلهما، فأخذتهم قوة الأمن مرة أخرى، ليتم الإعلان لاحقا بأنهما قتلا أثناء محاولتهما تفجير عبوة ناسفة.
وحسب رواية الأسرة، فقط ظل رائد فضل في ثلاجة المشرحة منذ مقتله في 25 يناير لأسبوع، حيث سمحوا بخروجه الأول من فبراير، في تأخير يشي بمحاولتهما إخفاء الحقيقة، حيث أثبت تقرير الطب الشرعي أن رائد توفي بنزيف داخلي حاد قبل التفجير بحوالي 3 ساعات، لكن كتب بشهادة الوفاة جاري البحث.
وكما كان الشهيدان على موعد واحد مع ساعة القدر، وأعمارهما متقاربة، كانت سماتهما كذلك متشابهة، وأخلاقهما متوافقة، فكلاهما شهد له من عرفه بالصفات الحميدة والخلق القويم، والسمت الحسن.
كان عمر شعلان حاصلا على بكالوريوس زراعة، حديث الزواج، حيث لم يمض على زواجه 5 أشهر، يحلم بأن يرزق بطفل يحمل اسمه، فيما كان رائد سعد، ينتظر أن تتم خطبته ثاني يوم استشهاده، إلا أن القدر كان أسبق.
تحكي شقيقة رائد، كيف أنه كان حريصا على المشاركة في أغلب الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري، وكان كريما، محبوبا، قليل الكلام، كثير العمل الخيري، لا يتأخر عن إغاثة الملهوف ومساعدة من قصده، ترك بصمة في كل من عرفه.
بينما يحكي أحد أصدقاء عمر عن خصاله، فيستذكر صحبته في أحد السجون خلال عهد المخلوع حسني مبارك، وكيف كان في خدمة من معه في السجن، يهون عليهم، وعرف بخلوته مع الله، حتى أثر فيمن معه وحاولوا الاقتداء به.
حاصر الظلم عائلة عمر شعلان من كل الجوانب، فأخواه كانا معتقلين حال استشهاده، وزوجة أحدهما توفيت إثر نزيف حاد عقب اعتقال أخويها بعد فض اعتصام رابعة العدوية، بيومين أثناء ولادتها تاركة 3 أطفال، ترعاهم الجدة، أم الشهيد عمر زغلول، عقب اعتقال والد هؤلاء الأطفال.
كان آخر ما كتبه عمر شعلان، “أنا نازل لأن البلد دي بلدي وأنا مش مجرد صفر على الشمال تحدد مصيره حكومة أو أمن دولة أو داخلية .. أنا مواطن مصري (…) لو محتاجين تضحيات والله أنا مستعد أضحي بكل ما أملك عشان بلدي”.
وكما توافقت شهادة أحباب الفقيدين لهما بالخير، بادر آخرون في حب إلى أداء العمرة عنهما، عل الله أن يكتب لهما قبولا عنده، وأن يكتب للمؤدين شفاعة الشهداء.