عبد الرحمن فرج
هذه الشهادة كتبتها زوجة عبد الرحمن.
***
نشأ عبد الرحمن في السعودية، و تربّى على حب الدين و المساجد، عاد الى مصر بعد الثانوية العامة و التحق بالجامعة و تخرج من قسم حاسب آلي، كان خلوقا جدا، حييا جدا، مؤدباً و نقياً. لم أسمعه قط يقول قولا فاحشا أو يسب او يغتب احدا. كلامه العام كان قليلا, اذا رأيته يتكلم دون توقف تعرف انه يتكلم في العلم او العمل الدعوي او الثقافي او الحقوقي. كان يتحرى الحلال و يتجنب الشبهات, و يأخذ دوما بالحكم الاحوط. كان حليما و لم يكن يرد الاساءة او الأذى. كان يحب الله و رسوله صلى الله عليه و سلم و يحب الاسلام وشديد الغيرة عليهم. أحب العلم و العلماء, و اهتم بالرد على الشبهات. المصحف و ذكر الله كانا رفيقيه في اوقات فراغه بالاضافة الى القراءة و متابع الاخبار و خاصة اخبار المسلمين حول العالم. تعجب في الشهور الاخيرة من علاقته بالقرآن، فقد كان المصحف لا يفارقه. حبه للخير كان شديد, لا يتأخر عن قضاء حوائج من يعرف و من لا يعرف. كان يساهم بجمع الصدقات و المساعدات للفقراء و المحتاجين, خاصة لمنطقة الكيلو اربعة و نص في القاهرة. و منذ سنة و نصف تقريبا بدأ بجمع المساعدات و التبرعات للاسر السورية و كان على علاقة طيبة بهم. له الكثير مما لا يعرفه الا الله, و الكثير مما عمل الناس معه عليه.
كان رجلا بمعنى الكلمة, يكره الظلم و ينصر المظلوم بما استطاع و كيفما استطاع… تمنى الشهادة في سبيل الله بصدق واحسبه قد نالها و الله حسيبه.
كان من مؤسسي رابطة النهضة و الاصلاح، و الاكاديمية الاسلامية للشباب, ثم أسس دورة علم الاستغراب لشعوره بأهمية مثل هذه الدراسة التي غفل عنها الكثيرون. كان عقلا مبدعا, اخترع برنامج تصويت الكتروني و كان ينوي انشاء مولد بالطاقة النظيفة ليوفر الطاقة للمنزل بأكمله، فقد كان شديد الاهتمام بالطاقة النظيفة. لدرجة اني مرة قلت له اسأل ان يجعلك وزيرا لوزارة تستحدث و تكون خاصة بالطاقة النظيفة، فانتفض و استعاذ بالله من فكرة ان يكون وزيرا او صاحب منصب.
اعتصم في رابعة منذ يوم 28-6, كان يعود لساعات قليلة للاستحمام و تغير الملابس و احيانا للراحة قليلا و ملاعبة الابناء، ثم يعود بعدها الى الميدان. نزل لنصرة المظلوم و دفاعا عن الحق و نصرة لدين الله قبل كل شيء.
“عبد الرحمن مش مخلوق للدنيا دي”, “تحسه عايش في المدينة الفاضلة” و عبارات شبيهة كانت تقال عنه, و حتى انا في مواقف كثيرة كنت اقول له عبارات مشابهة. لم تكن الدنيا همه قط, و لم تكن الماديات تهمه, و كان طيبا وبريئا جدا, طيبة و براءة الاطفال, لدرجة اني كنت اشعر انه فعلا ليس من اهل الدنيا.
لطالما شعرت بأنه نعمة كبيرة و فضل من الله علي, و هذا من كرمه سبحانه لا بعملي كما يظن الناس, اللهم اجعلني خيرا مما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون.
يوم 13-8 فطر معنا في المنزل, فقد كان يصوم اليوم الخامس من ايام شوال, ثم جلس بعدها معي فطلبت منه ان يسامحني ان قصرت يوما في حقه. و بعدما نزل بقليل ارسلت اليه رسالة “جدد نيتك… و ارضى عني و سامحني لو قصرت في حقك يوم او خذلتك. استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. بحبك كتير يا عمري”.
اتصلت به بعدها بساعات,فجر 14-8, و اخبرته بأني قرأت بأن فض الاعتصام سيكون في الساعة السادسة صباحا, فأخبرني بأنه يعرف. سمعت ان الفض قد بدأ, انتظرت و اتصلت به حوالي الساعة 6 فاخبرني بأنه في مكانه المعتاد, قرب طيبة و انه بخير. بعدها بساعتين اخبرني بأنه في المسجد و كان صوت الرصاص مرتفع (ظننت وقتها انه اختبأ في المسجد فتضايقت… ثم عرفت بأنه كان سبّاقا في نقل المصابين و انه توفي قرب المرور!!) اتصل بي اخ حوالي الساعة التاسعة و النصف ليخبرني بأنه اصيب في “رجله” و انه في غيبوبة و يحاولون انعاشه, و طلب مني ان ادعو له بالشهادة, فقد نطق الشهادتين و اخد يقرأ ما يحفظ من القرآن و يذكر الله. لم استطع ان ادعو بذلك لان عبدالرحمن رأى اكثر من رؤية بأنه سيقاتل في فتح بيت المقدس! و احداها انه سيستشهد فيها!! كنت اعرف اني سأفقد يوما, و لكني لم اكن استوعب انه ذلك اليوم! تخيلت ان الامر قد يحدث بعد بضع سنين! ثاني اتصال فهمت ان الطلقة في صدره و ليست في رجله!! فدعوت الله اما ان يتقبله شهيدا او ان يرده لي سالما معافا. ثم علمت انه استشهد و الله حسيبه. فاسترجعت و سألت الله ان يخلفني خيرا و سألت الاخ ان كان متأكدا بأنه عبدالرحمن, فاكد الامر, استرجعت ثانية و دخلت غرفتي دون ان اخبر امي بشيء لاتصل بمن يستطيع ان يذهب ليرى كيف سنتصرف. توفي و هو صائم… سادس يوم من ايام شوال الست, احسبه افطر في الجنة بيد احدى زوجاته من الحور العين, و الله حسيبه. سمعت عن حرق الجثث, و حمدت ربي ان وجدت جسده الطاهر كما هو, لا يشوبه الا مكان رصاصة دخلت في صدره و خرجت من ظهره و بعض الاحمرار على خده الايسر و جروح في اصابعه اثر وقوعه. تبارك الله، دماؤه الزكية بقيت تنزف حتى وقت التكفين اي بعد 32 ساعة من وفاته و كان بفضل الله جسده لينا.
الحمد لله رب العالمين, مهما كتبت عنه لن افيه حقه…