عبد الرحمن جودة
كان عبد الرحمن هو الابن الأكبر لوالديه، له أخ واحد (أسامة) وثلاثة أخوات عائشة وسارة وخديجة، قبل أن يقتل عبد الرحمن بشهرين، كان قد اكمل دراسته الجامعية، وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة الأزهر.كان معروفاً بنشاطه الاجتماعي في فريق بداية للتنمية البشرية، ويتمنى أن يغير سلوكيات الناس حوله الى الاحسن، لذلك كان تحمسه للعمل التطوعي أكبر بكثير من رغبته في العمل في القطاع العام أو الخاص مثل أي شاب بعد التخرج.
لذلك ترك تأثيراً كبيراً على كل من حوله، سواء زملائه في الدراسة، أو في النشاطات التطوعية، أو متابعيه عبر الفيسبوك، حيث كان يحظى بـ 13 ألف، حيث له عبارات قصيرة مؤثرة على صفحته على فيسبوك وخاصة في عام الثورة 2011 ومنها:
“إذا كان آخر ما يفكرون فيه هو الوطن، فلتذهب أفكارهم إلى الجحيم، وإذا كان حلمنا هو الوطن فسنظل دومًا إصلاحيين ومحاربين.”
“لا أعرف مدى لذلك الحلم سوى السماء، فإن كان السماء فبها ونعمة، وإن كان غيرها فليس لي سوى الاستمرار في الحلم حتى النهاية..”
“يبدو أن الوقت يداهم من يمتلكون الاحلام، ومن يعيشونها، لكن من يملكون مع الحلم إرادة الاستمرار، وذاقوا حلاوة الأحلام سينحني لهم الوقت إكبارًا…وسيذكرهم التاريخ إجلالًا..وفخرًا”
شارك عبد الرحمن في أحداث ثورة 25 يناير منذ اليوم الأول، وشارك في اعتصام رابعة العدوية أيضا منذ اليوم الأول، وكان متواجداً في جميع الفعاليات والمظاهرات، لذلك بعد قتله، تجمع عدد كبير من أصدقائه أمام منزله في الإسكندرية يطالبون بالقصاص لمقتله ومحاكمة الجناة.
تقول إحدى زميلاته التي جاءت لحضور هذه الوقفة ” كل كلمة كتبها عبد الرحمن جودة، كان يسعى ليشحن همم البشر من حوله.”
لم تكن أخر معاناة أسرته هي فقده، فبعد أقل من أربعة شهور من قتل عبد الرحمن، ألقت قوات الأمن القبض على شقيقته عائشة، التي كانت الطالبة بجامعة الأزهر وقتها، ضمن من قبض عليهم الأمن المصري بسبب تظاهرات جامعية، خرجت عائشة من السجن بعد شهور. ثم ألقت قوات الأمن القبض شقيقه ع أسامة في مطلع عام 2017، وتم توجيه إتهامات عديدة إليه، وأدى تراكم الأحزان على قلب الأم المكلومة في ابنها من قبل في مرضها مرضاً شديداً ووفاتها.
قال في وصيته
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، أحمده وأستعيه وأستهديه وأستغفره، أعوذ بالله تعالى، أعوذ بالله تعالى من شر نفسي، أعوذ به من كل ذنب وخطأ تعمدته ولم أرعي حرمة ربي ومراقبته لي وحلمه على، أعوذ به من كل ذنب وقع مني بلا عمد فأستغفره منه الآن، أعوذ بالله من عدم إخلاصي وإشراكي لله في العمل آلة آخرى، وأهواء قلبية وأسباب دنيونية، أحمد لله حق حمده على نعمه وآلائه، أحمده على نعمة وجودي وخلقي.
أبوي وأسرتي، صحبتي وهدياتي على نعمة إسلامي وديني على نعمة الستر والعطاء، على نعمة التوبة والعفو، على نعمة الجنة والفردوس، أصلى وأسلم على خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاماً دائمين متلازمين ليوم القيامة.
أما بعد فهذه وصية العبد الفقير إلى ربه.
عبد الرحمن سعيد محمد محمد جودة، أكتبها بعد فجر الخميس، الثاني من شهر جماد الأول، للسنة الرابعة والثلاثين بعد الألف وأربعئمئة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلام، مستهلا وصيتي بحمد الله تعالي والثناء على نعمه، تاركاً ورائي بلداً يخطو على خطوات التحرير بفتياته وسواعد شبابه، يجتهد فيه من لا يُعرف اسمه ولا رسمه، يحاول ويعمل في صمت وتغيير، يربي ويجاهد، يربي ويجاهد، أبصرهم وأسمعهم وأجالسهم، هم أهل الله وخاصته، اللهم زد من أمثالهم، ويسر طريقهم وكلل سعيهم، وعملهم بالإخلاص والقبول، فجزاهم الله عني خيراً.
أولاً: تاركاً ورائي أمي، أمي التي آخر ما لمست منها قدمها مقبلاً لها، راجياً رضاها عني، أمي تعملين حبي لك وتعلقي بك، واجتهادي في حبك وإرضائك، فاغفري لي تقصيري الواضح، وجهلي بقدرك، وابتعادي عنك وعدم إيفائك حقك، اغفري لي بعدي عنك إن مت شهيداً، واحتسبيني شهيداً وأنت راضية محتسبة، أوصيك بالصبر والصلاة وعدم الجزع، فما عند الله خير وأبقى، تاركاً ورائي أبي، أبي الذي ما برحت أدعو له أن يعينه الله وأن يرزقه بعبادته وتقواه وصبره الفردوس،
أوصيك أبي بأمي وأخوتي، أوصيك بتقوى الله والصبر على مكاره الدنيا، أوصيك بسبيل الدعوة والاجتهاد في إيصال رسالة الإسلام الصحيح الذي تؤمن به لمن حولك فهو أحوج ما يكون لها منك، تاركاً ورائي إخوتي، إسامة وعائشة وسارة وقرة عيني خديجة.
أوصيكم جميعاً بالحفاظ على نعمة أبويكم وأسرتكم، أوصيكم ببعضكم البعض خيراً وتراحماً وأخوة، وتحية حارة مني إلى صغيرتي خديجة، تلك التي أحببتها بكل جوارحي ووجداني، أحببت فيها خوفها على وحبها لي وتعلقها بي، أحببت فيها روح الطفولة، وعذوبة الكلمة وحب الخير، أحبك صغيرتي، وعندما أرحل صغيرتي سأرحل تاركاً لي وطناً وديناً، صانعاً لك وطناً أجمل وديناً أكثر إشراقاً بإذن الله، بابتسمي وحافظي على ابتسامتك وادعي لي كثيراً.
تاركاً ورائي من متاع الدنيا ما خف من مال ومتاع وما رخص من قيمة وثراء، فما أملكه من مال، هو في الحقيقة مال أبي وأمي، ومن متاع وملابس فهي للفقراء أهبها، وما ملكته من معارف وكتب فهي لاخوتي وما يريده أصدقائى، تاركاً ورائي عملي التطوعي في مجتمع مصر وجامعاتها عاهداً به لمن هم خير مني، ومن هم أخلص مني.
أوصيكم دوماً أهل التطوع بالنية ومخالطة الصالحين، أوصيكم بحب الناس والتواضع لهم، أوصيكم بالتراحم والصبر، أوصيكم بالصدق في القول والعمل والنية، أوصيكم دوماً باستشعار توفيق الله لكم وأن بعدانكم عنه هو عين الفقدان، تاركاً ورائي قدوات قد اختارهم الله لي، ليربوني ويتعهدون برعايتي وتربيتي، قدوات صابروا وجاهدوا وبزلوا وزرعوا مهارتي وغرسوا قيمي، وأنبتوا نباتاً حسناً.
قدواتي: أوصيكم كما أوصيتموني بتقوى الله تعالي، أوصيكم ألا تضيعوا عملكم بمثقال رياء أو كبر، أوصيكم بالطريق فلا تدعوه، أوصيكم بالثغر، فإياكم إياكم أن تتخلوا عنه، أوصيكم بعدم تلمس الشبهات والإنجراف لها، فهي المهلكة المضيعة لجهدكم وتربيتكم.
أوصيكم بالقرآن فهو خير دستور وطريق ومنهاج وسبيل، أوصيكم بالحزم مع المغيريين لأمر دينهم من بين ظهوركم وأهلكم، أوصيكم بالصبر، فإنما أهلك أهل هذا الزمان تعزلهم وعدم صبرهم. تاركاً ورائي أحبة لي مستمعين لبعض كلماتي، مشاركين لي عملي سائرين معي في طريقي، أصدقاء وأخوة، معلمين ومغيريين معي، حريصين على إفادتي وتعليمي، أحيهم وأنبههم أن الطريق وعر صعب، فلا تسيروا فيه وحدكم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية، وإنما ابتعد عن الطريق ما اعتمد على عقله وجهده دون استشارة وصحبة معينة.
أوصيهم دوماً بسير الصالحين المغيريين، أوصيهم ببعضهم البعض، فإنما تزرعون أنتم التراحم في مجتمعكم بتراحمكم، موصياً بصدقة جارية لي في عملي التطوعي، موصياً بصدقة جارية لي في مجال عملي التطوعي، موصياً بصدقات عامة في كل حين، موصياً من أحبني أو عمل معي بعمل عمرة لي مبلغاً سلامي للنبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يبلغه سلامي، مودعاً عند الحرم دعوة واحدة أن يرزقني الله منازل أبرار الشهداء وأن يتقبل مني الشهادة، هذا وما نسيته من إيضاح فإيضاحه عند أهلي ومن كان له دين أو مال فليعفو عني أو ليطلبه من أهلي، وما كان له مظلمة عندي فليغفرها لي غفر الله له، هذا والله تعالى من وراء القصد، وهو الهادي لسواء السبيل.”