عبد الرحمن جمال.. الابن البار الطيب
بعد اختفائه قرابة 3 أشهر ونصف، أعلنوا تصفيته رفقة اثنين آخرين، فكتب والده “قتلوه قتلهم الله.. اللهم إنا رضينا فارض عنا وعنه وتقبله شهيدا مخلصا لك”.
عبد الرحمن جمال محمد (21 عاما)، طالب كلية العلوم الذي أعلنت وزارة الداخلية المصرية تصفيته في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2016، في مواجهة مسلحة بأسيوط، رغم أنه كان بحوزتهم منذ الخامس والعشرين من أغسطس/آب حسبما وثقته جهات حقوقية، أي قبل إعلان قتله بأكثر من 100 يوم.
صباح يوم الخميس، 25 أغسطس، ورد اتصال لوالد عبد الرحمن من أحد أصدقائه يخبره فيها أنه تم القبض على ابنه عبد الرحمن وهو في طريقه إلى عمله بأحد معامل التحليل في مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة، لتبدأ رحلة البحث عنه والتي يقاسيها كل أهالي المختفين قسريا ويعانون تفاصيلها، وإن اختلفت النهايات.
يقول والد عبد الرحمن في مداخلة تليفزيونية، إنهم تواصلوا مع كل الجهات المعنية، وأرسلوا قرابة 50 تليغرافا لجهات حكومية وحقوقية، في مقدمتها مكتبي النائب العام ووزير الداخلية، وعلموا من مصادر غير رسمية أنه محتجز في مقر أمن الدولة بمدينة الشيخ زايد، ثم علموا بخروجه منه قبل إعلان تصفيته بأيام.
وخلال تلك الفترة، ظل جميع أفراد أسرة عبد الرحمن يكتبون عن اختفائه ويحملون سلطات الأمن مسؤولية حياته، في سعي حثيث منهم لتجنيبه النهاية المأساوية التي كانت تطالب العشرات من الشباب المعارض للانقلاب العسكري في تلك المرحلة، وأصدروا في سبيل ذلك بيانات باسم الأسرة.
يحكي والد عبد الرحمن عن “ابنه البار الطيب” كما وصفه، وكيف أنه منذ ولادته، يحمل وجهه طيبة الدنيا، ويسع قلبه إخوته جميعا بل وأصحابه، ويستحضر تعلقه بسيرة الشهداء من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم سير شهداء المقاومة خاصة في فلسطين، وفي مقدمتهم سيرة الشهيد أحمد ياسين.
كتب شقيقه محمد، في اليوم الذي تلا يوم الإعلان عن استشهاده، إن من يعرف عبد الرحمن يعلم أنه قد تأخر نبأ استشهاده كثيراً، فما ظنكم بشاب منذ نعومة أظفاره لا يتحدث إلا عن الشهادة ولا يحلم إلا بها، ويطلب من والديه أن يدعوان له بها دائما.. طلبها بصدق فنالها بحق، هنيئا له ولأمه التي كانت دائما تقول له، “لا تأتني معتقلا ولكن ائتني شهيدا”
لكن هذا الارتباط الوثيق بالبحث عن نهاية فريدة، لم يثنه عن الإقبال على الحياة في اجتهاد وروح عالية، فقد كان متفوقا في دراسته، حصل على نسبة 97.1% في الثانوية العامة، ومع ذلك تعطلت مسيرته العلمية عامين كونه كان مطاردا من قبل السلطات الأمنية التي لفقت له قضايا لا صلة له بها.
كان عبد الرحمن حسب شهادة والده وأقرانه، عمليا لا يحب إضاعة الوقت في الجدل والمراء وما لا يفيد، مرتبط بأسرته وجميع أفرادها، فكان حنونا على أمه يلتمس رضاها، يحمل عاطفة جياشة لجده وجدته ويسعى لخدمتهم في أحلك الظروف، ولا يهدأ له بالا حتى يطمئن عليهم مهما كانت الخطورة التي ربما يتعرض لها في سبيل ذلك، كونه كان مطاردا.
وكما تم توثيق القبض عليه وإخفائه قسريا، وثقت جهات حقوقية نبأ تصفيته على يد قوات الأمن، وفندت رواية وزارة الداخلية بإثبات توثيق القبض عليه، ورأوا أن السيناريو الأقرب الذي تم هو قتله مع اثنين آخرين (ذكرا في بيان وزارة الداخلية) بدم بارد، مؤكدين عدم وجود أي دليل على صحة الرواية الأمنية، ومشيرين إلى وجود آثار تعذيب واضحة على جثث الثلاثة.
وسائل إعلام رصدت كذلك خلال نقلها بيان الداخلية المصرية الذي أعلنت فيه تصفية عبد الرحمن واثنين آخرين، تناقضات حملها البيان، ومن ثم أثارت علامات استفهام حوله، ومنها اتهامهم بتنفيذ عمليات في إطار محافظات لم تتبن الحركة التي اتهمتهم الداخلية بالانتماء إليها، تنفيذ عمليات داخلها.
يحكي أحد رفقائه ممن حضروا عملية غسله التي جرت بعد يوم ونصف من مقتله، كيف أن جسده كان دافئا لا زالت الدماء تتدفق منه، وكانت حركته سهلة وحاله أقرب لحال النائم لا الميت، فيما أعد له آخر مقطع فيديو يحوي جوانب من حياته، ومشهد استقبال والدته لجثمانه وعبارات التصبر التي رددتها حينها