سعيد عبد المنعم
طلب من أخته مصحفا ليذهب ويقرأ القرآن على قبر ابن عمه الذي قُتل في مظاهرة رافضة لمذبحتي رابعة والنهضة٬ وبينما هو يقرأ القرآن٬ إذا به يرى مجموعة من أصدقائه في طريقهم إلى المظاهرة التي سوف تخرج من ميدان رمسيس بعد صلاة الجمعة بالقاهرة تنديداً بالمذابح٬ فقرر الذهاب معهم٬ وما إن وصل الميدان حتى قضى على يد قناص استهدفه برصاصة في رأسه٬ لتنتهي حياته ويلحق بمن كان قبل دقائق يقرأ عليه القرآن.
سعيد عبد المنعم فهمي عبد القادر ولد في 15 مارس 1989 ٬ وقٌتل وهو يبلغ من العمر 24 عاما٬ ولد في قرية “النكارية” بمحافظة الشرقية٬ كان يعمل فني ديكور. له أخ وأخت كلاهما أكبر منه٬ قتل يوم الجمعة 16 أغسطس 2013، بعد اصابته بطلق ناري بالرأس أطلقه قناص تابع لقوات الأمن في مجزرة رمسيس.
وصفه الكثير من أحبابه وممن عرفوه في حياته القصيرة فأنه كان حافظاً للقرآن، باراً بأهله، مجتهداً في عمله، مسارعاً في الخيرات ورعاية الفقراء وأحد مؤسسي المسجد في قريته.
يقول والده “كان شابًا ملتزمًا بدينه وعباداته، محترمًا ومحبًا لأصحابه، ومحبوبًا من الجميع. كان مثل أي شاب مصري لديه طموح وأحلام لنفسه ووطنه بالحرية وصلاح الحال، وكان يعمل ويجتهد ويكسب ويعد للزواج وبناء بيتاً يكون جزءًا من المجتمع الصالح.”
يضيف الأب “كنا نتلقى العزاء في ابن أخي الذي قتل أثناء مشاركته في مظاهرة خرجت في الزقازيق لترفض أحداث فض اعتصام رابعة التي كانت تجري في القاهرة، بعد أن دفناه في اليوم السابق، وكان ابني سعيد هو من تولى كافة الاجراءات بدءًا باستخراج تصريح الدفن وفتح المقابر وتجهيز سرادق العزاء.”
يروى والده أن سعيد كان متأثرًا جدًا لوفاة ابن عمه الذي كان قريبًا جدًا من قلبه وفي صباح الجمعة، أي بعد يومين من المذبحة، أخذ معه مصحفًا من أخته وذهب إلى المقابر ليقرأ القرآن لابن عمه الشهيد٬ وفي طريق عودته من المقابر قابل عددًا من الشباب في طريقهم إلى القاهرة للمشاركة في مظاهرة رافضة للانقلاب ومنددة بفض رابعة عند مسجد الفتح بميدان رمسيس، كما أخبره الأصدقاء لاحقاً.
عندما ركب معهم فقالوا له لا داعي للسفر لظروف وفاة ابن عمك لكنه أصر وذهب معهم وهو لا يحمل سوى المصحف الذي أخذه من أخته.
وعندما بدأت المواجهات بين قوات الانقلاب والمتظاهرين في ميدان رمسيس أخذ الشباب يتساقطون بين شهيد ومصاب فسارع سعيد لإسعافهم او نقلهم إلى المسجد حتى لقى ربه والحمد لله فالأجل محتوم.
يكمل الأب المكلوم عندما جاءنا خبر استشهاده أثناء عزاء ابن عمه سارعنا بالسفر إلى القاهرة٬ وذهبنا إلى مستشفيي صيدناوى وأخذنا نبحث عنه في الثلاجة فلم نجده فذهبنا إلى مخزن خلف المستشفى حيث كانت الجثث موضوعة بطريقة مهينة والدماء تملأ المكان٬ فوجدته مضرجًا في دمائه ورأسه متفجرة لكنني عرفته من ملابسه٬ فاسترجعت وعدت به إلى البلد حيث دفناه.
لكنني شعرت وكأنني في كابوس فظيع فسعيد وإخوانه كانوا يعبرون عن رأيهم ويطالبون بحقهم في الحرية بسلمية فلماذا يمنعون أو يقتلون؟ وعمومًا أقول لمن قتل أبني إن البلد لن تعود إلى الوراء٬ وأن بيننا وبين الانقلاب دم ابنائنا وشهدائنا الذين لم يحقق أحد في موتهم ولم يبحث أحد عن حقهم لكنني واثق أن حقهم عند الله ولن يضيع.
أما والدته فتقول “كان سعيد عريسًا وكان يستعد للزواج وقد جهزنا له الشقة لكن الله اختاره لجواره٬ وأنا احتسبته شهيدًا والعوض على الله لأن سعيدًا كان شابًا محترمًا ومؤدبًا وحنونًا على أهله وغير أهله وكان أخر ما أخذه من الدنيا هو المصحف الذي ظل معه إلى آخر لحظة في حياته٬ فهل هذا إرهابي أو مجرم؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.”
عندما جاء الخبر لأسرة سعيد في عزاء ابن عمه تلقته أسرته بالرضا وقالت والدته إنا لله وإنا إليه راجعون فلم تبك ولم تصرخ “لأن سعيدًا لا يستحق أن نعذبه ببكائنا لكنني فوضت الأمر لله وقلت عوضي على الله.”
أما جده الحاج فهمي فقال عنه بأنه كان رجلاً وشجاعًا وشهمًا حتى آخر عمره فقد كان ينقل المصابين أثناء المظاهرة فنقل ثلاثة وأثناء نقله للرابع استهدفته طائرة حربية برصاصة في رأسه٬ ويضيف الجد يقول “لقد احتلنا الإنجليز طويلاً لكنهم لم يفعلوا بنا وبأولادنا مثلما فعلت قوات الانقلاب.”
يتذكره عمه بأنه كان هادئًا ملتزمًا لا يلجأ إلى العنف٬ وكان يعمل وينتج ويكسب ويعبر عن رأيه بكل أدب “عندما علمنا ما حدث له في عزاء ابن عمه، أصر والده على السفر وكان ذاهبًا وهو منهار، ولكنه عاد ثابتًا راضيًا وقال إنني رأيت مشاهد مؤلمة والحمد لله على شهادة أبني وأتمنى أن يعود حق ابني وابن أخي ولا يذهب دمه هباء.”ً
كما وصفه أحد أقاربه بأنه من الشخصيات الرائعة التي تجذب الآخرين للتعامل معها لحسن أخلاقه٬ ويتذكر بأنهم عندما كانوا يؤسسون مسجد القرية٬ كان سعيد من المبادرين للعمل فيه فكان يشارك العمال في أعمال البناء ونقل الخامات وتنظيف المكان بهمة عالية وكأنه يبنى بيته الخاص. أما في رمضان فكنا نعد حقائب رمضان والعيد، فكان من أوائل المشاركين معنا في إعدادها وتوزيعها على فقراء البلدة.
أما عبد الله وهو أحد أصدقاء سعيد فقال بأنه كان مثالا لن يتكرر في الحلم والصفح والأناة والأخلاق الراقية٬ كان مرهف الشعور٬ طيب القلب٬ لا يستطيع أن يؤذي أحدا لا لشيء إلا لأن فطرته النقية وضميره اليقظ يأبيان ذلك٬ افتقدته ولا زلت أفتقده٬ وأسأل الله تعالي أن أتمكن من لقياه في الجنة.