سعد العرابي.. الخدوم البشوش
سعى إليها بشتى السبل، وحاول التعرض لها عند كل مناسبة، وكان يحزن لعدم نيله إياها في كل مرة، حتى جاء الحين، وكانت الرصاصة التي اخترقت جسده قبل أن تخرج منه خلال فض رابعة العدوية، ليعاني بعدها أياما يصبر فيها صبرا حير الطبيب والرفيق، قبل أن تصعد الروح لبارئها
سعد فتحي العرابي (41 عاما) ابن قرية الضهرية بمركز شربين في محافظة الدقهلية، كان مقيما بمدينة دمياط الجديدة، ويعمل بها فني سيراميك، وكذلك في مجال مقاولات التبليط.
كان سعد متزوجا وله من الأبناء 4، تسنيم وعمار ونجلاء والصغرية نجلاء، التي رحل عن الدنيا ولم تكمل بعد عامها الأول.
فاضت روحه إلى بارئها متأثرا بإصابته في مجزرة فض رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013، حيث أصيب برصاصة أسفل الظهر، وخرجت من بطنه، وظل بعدها في المستشفى نحو 9 أيام، لتأتي ساعة الأجل فجر الجمعة 23 أغسطس
عرف سعد في وسطه بالأخلاق العالية، وتميز بخدمة الآخرين، وكان في ذلك لا يفرق بين أحد، صغير أو كبير، قريب أو بعيد، وكانت زوجته تشفق عليه وتطلب منه أن يهون على نفسه ولا يرهقها، فيرد عليها بقوله تعالى من سورة المدثر “وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ”.
نشاط سعد وعمله العام كان سابقا لثورة يناير، ودفع في سبيل ذلك من حريته وحياته، حيث اعتقل في بداية 2009 بسبب دعمه لأهل غزة أمام ما يتعرضون له من عدوان غاشم من قبل الاحتلال وقواته.
تحكي زوجته هناء محمود، قصة الإصابة والاستشهاد، والتي بدأت بذهابه إلى اعتصام رابعة العدوية، منذ أيامه الأولى، وحضر مجزرتي الحرس الجمهورية والنصب التذكاري، وكان يبدي أسفه عقب مرور كل حدث دون أن يكون أحد من سقطوا شهداء فيه.
كان جميع حديثه مع زوجته ومن حوله عن أمنيته بأن ينال الشهادة، وكان في كل مكالمة هاتفية مع زوجته يطلب منها الدعاء له بأن ينالها.
هاتف زوجته مساء الثلاثاء، الليلة التي سبقت يوم فض رابعة العدوية، وأخبرها بنيته العودة في يومه التالي للاستراحة قليلا، لكنه مع بدء الفض، قرر الاستمرار في الاعتصام، وهاتف زوجته مرة أخرى وأبلغها بصعوبة الموقف في الميدان.
وعند صلاة العصر، هاتفها مرة أخرى وأخبرها بأنه أصيب برصاص خرطوش في رجليه، في محاولة منه لعدم إقلاقها، لكنها علمت لاحقا أنه أصيب منذ الصباح برصاصة دخلت من ظهره وخرجت من بطنه، وأحدثت تهتكا في قولونه.
تتابع زوجته عن المأساة التي عاشها في المستشفى الميداني، فمع كثرة الإصابات، لم تتوفر لوازم عملية إخراج الرصاصة التي أصابت زوجها من تبنيج وغيره، ما اضطر الطبيب أن يعمل على إخراج الرصاصة من غير تخدير، وهو الأمر الذي كان فوق الطاقة بالنسبة لزوجها أبو عمار فلم تنجح عملية الإخراج.
ومع اقتراب انتهاء عملية الفض، أرسلت قوات الأمن تحذيرات سريعة بنيتها إحراق المستشفى الميداني، وأنه لابد من إخراج جميع المصابين منه، ومن لم يتم إخراجه سيحرق مع المكان، ما اضطر مرافقه لأخذه والسعي لإيصاله أحد المستشفيات.
ومن الساعة السادسة مساء يوم الفض، وحتى الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، لم تقبل أي مستشفى ذهبوا إليها استقبال حالة سعد، حيث كان قد وصل توجيهات وأوامر لجميع المستشفيات بعدم قبول إصابات الفض.
وعند الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، قبلت إحدى المستشفيات سعد على اعتبار أن إصابته ناتجة عن حادث سيارة، ومكث فيها أسبوعا عمل خلاله 4 عمليات، ولطول مكث الرصاصة في جسده، أحدثت “غرغرينة”,
استشهد سعد بعد فجر يوم الجمعة 23 أغسطس، وكان من كراماته التي حكيت عنه، أنه أيقظ شقيقه عزت فجر ذلك اليوم، وقال له، استيقظ.. أنا سأموت هذا اليوم، رغم اتصال سابق مع زوجته قال لها إنه سيعود إليها في اليوم التالي ويكمل علاجه لاحقا.
كتب في تقرير وفاته أن سببها “هبوط في الدورة الدموية” وذلك لأنه دخل إلى المستشفى باعتباره مصاب في حادث سيارة، ليسمح بتسليم جثمانه لأسرته.
كانت تسأله زوجته، عندما يعبر عن أمنيته بالشهادة، لم تتركنا يا أبا عمار، فيجيبها، لله، وقبل ذهابه الأخير للمشاركة في اعتصام رابعة، جمع أولاده وحدث كل واحد على حدة، وأخبرهم بأنه خارج للدفاع عن دينه ووطنه وليس لأجل شخص الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي أو غيره.
عرف ببشاشته وابتسامته وكان دائم التعبير عن أمنيته في نيل الشهادة، وذات من الألم الكثير خلال فترة الإصابة، لكنه كان صبورا حمولا لم يجزع ولم يمل من ذكر وحمده والثناء عليه، حسب شقيقه عزت الذي رافقه خلال تلك الفترة.
ومن ذلك حين ظن أن إصابته لن تنتهي بالوفاة، كان يقول لشقيقه، “يا عزت.. كان نفسى أموت شهيد.. ما كنتش عايز اتصاب كان نفسى أنال الشهادة”، وكان شقيقه يرد عليه. “لعل الله كتب لك كفاحا وجهادا ضد الظلم.. وكل ذلك رفعة لمكانك عند الله”.
كان الأطباء يتعجبون من صبره وتحمله للألم في فترة الإصابة، وينقل شقيه سعد عن الطبيب المعالج حينها قوله “والله يا سعد أنت بطل فعلا.. وكان سعد دائما يرد بالحمد لله”، كما يحكي كيف كانت الممرضة المسؤولة عن تغيير ضماداته تبكي بكاءا حين ترى إصابته، وهي التي ترى الكثير والكثير من الإصابات.
يحكي شقيقه عن آخر ساعات حياته، وكيف كان لسانه يلهج بالحمد والدعاء على الظالمين، وقبل خروج روحه بعد أن عجز الاطباء عن إسعافه لأن أجله قد حان.. نطق سعد بالشهادتين ورفع السبابة، وبمجرد أن خرجت روحه وارتسمت البسمة على وجهه، سمعت آذان الفجر فقلت الله أكبر وقال الأطباء الله أكبر”.