سامح علي جمال علي محمود عفاالله
في مساء الأربعاء 2 من فبراير/شباط 2011م، ليلة وفاة الشهيد سامح علي جمال علي محمود عفاالله طلب تناول طعامه؛ وداعب أُمَّه قائلًا إنه أفضل طعام تذوقه؛ ثم أضاف بلهجة تقريرية عذبة:
“عارفه يا أمي أنتِ أول “واحدة” سأشفع لها لتدخل الجنة .. وبعدك أختيّ.”
تبكي السيدة فاطمة أحمد أحمد رسلان (والدة سامح)، وهي تروي للتلفزيون الحكومي المصري عقب تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ أن ابنها كان مُقربًا منها لإنه وحيدها على ابنتين؛ وأنها كانت تعتب عليه لما يحدثها عن الشهادة في سبيل الله خوفًا عليه؛ ولكنه منذ قيام الثورة في 25 يناير، وإختفاء رجال الشرطة من الشوارع، كان يشارك باللجان الشعبية في حي حلوان الذي يسكنه، حماية للبيوت والمحال التجارية من البلطجية، وكثيرًا ما غافل أسرته وذهب لميدان التحرير مشاركًا الثوار حلم تخليص مصر من حكم مبارك وعصابته.
في يوم الأربعاء الدامي 2 من فبراير/شباط 2011م، عندما حدث هجوم من أنصار مبارك على ميدان التحرير، مستخدمين الجِمال والأحصنة، والأسلحة البيضاء ؛ فيما عرف لاحقاً ب”موقعة الجمل”، كان سامح يشاهد الجهوم مع والدته عبر شاشة قناة الجزيرة الفضائية، وهو يحترق غيظًا من الظلم الشديد الواقع على الثوار، ويتحدث إليها وهو ممن يجيدون ركوب الخيل أنه لو كان في التحرير الآن، لصارع هؤلاء البلطجية ولقنهم درساً، وأتي لها بحصان. في المساء اتصلت به مديرته في العمل طالبة عودته من الإجازة المرضية، التي حصل عليها بسبب آلام في ظهره، ولما كان شعر بالعافية وعدها بأن يعود للعلم في اليوم التالي، وهو يُخبأ بنفسه أمرًا.
أفهم الشهيد والدته بأنه سيحلق شعره استعدادًا للذهاب لعمله صباحًا؛ ثم عاد بعد نومها فأبدل ملابسه .. وذهب لميدان التحرير حيث بقايا موقعة الجمل مُمثلة في استمرار تصدي الثوار لهجوم فلول أنصار الحزب الوطني الحاكم معززًا بالبلطجية عليهم من أعلى كوبري 6 أكتوبر المُقارب للميدان بإلقاء قنابل المولوتوف البدائية الصنع والحارقة في آن واحد، وفقاً لوالدته.
في التحرير، ووفقاً لرفائقه الذين كانوا حوله، سقط صديقه إلى جواره مُصابًا فازداد ألمه؛ وفاتح الثوار من حوله معلنًا أن الحل ليس في استمرارهم في التصدي لهجوم البلطجية الآي من أعلى؛ وبالتالي ازدياد الإصابات والموت بينهم، بل الحل مُفاجأة المُهاجمين بأعلى الكوبري وتسليمهم لقوات الجيش المتمركزة على أطراف ميدان التحرير (والتي كانت كان يتُظهرُ موقفًا محايدًا حينها)، وبعد جدل تشجع قرابة 6 من الثوار فصعدوا معه، وقبضوا بالفعل على 25 بلطجيًا بعد هجمات متتالية عليهم، وكل مرة كانوا يسلمونهم للجيش بأسفل.
لكن سامحًا في آخر مرة قرب الفجر، بعد تسليمه وأصدقائه آخر دفعة من المُعتدين عليهم؛ استهدفه قنّاص آثم برصاصتين كلٌّ منهما كانت قاتلة؛ واحدة في الجبهة اخترقت المخ، وأخرى في القلب مباشرة؛ ولإنه كان شهمًا مخلصًا حاول احتواء الرصاصة الأولى ومواصلة الجري حتى عُوجِلَ بالثانية فسقط مُدرجًا في دمائه، فيما كانت أمه تشاهد ما يحدث عبر شاشة التليفزيون؛ وإن كانت لا ترى ملامحه إلا أن قلبها الصادق أخبرها الحقيقة، أن سامح هو ذلك الشاب الذي يسقط أمامها في الميدان، فأخذت تصرخ متسأله شقيقات سامح عن لون ملابسه وهو يغادر.
عندما تأكد الخبر بأن سامح كان من ضحايا موقعة الجمل، ذهب خاله حسام رسلان لتسلم جثمانه في اليوم التالي من المستشفى، وأصر أن يُكتب في تقرير الوفاة أن السبب “مظاهرات التحرير .. طلق ناري بالرأس والصدر”.
بعد استشهاد سامح وفي مارس/آذار الذي شهده مولده (وُلِدَ الشهيد في الكويت في 18 من مارس 1987م) كرمته وزارة التربية والتعليم بإطلاق اسمه على إحدى المدرس، بدلًا من اسم سوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع، وحضرت أمّه التكريم. ثم في الشهر التالي أقرت الدولة صرف معاش شهيد استثنائي لأسرته، فيما كرمه أصدقاؤه بإنشاء صفحة باسمه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك معلنين عن تصميهم مواصلة مسيرته لتحرير مصر.