زكية عبد القاصد محمد عليوة
زكية عبد القاصد محمد عليوة مُسنّة كان عمرها يتجاوز الستين عامًا؛ ولم تكن تستطيع السير إلا بمساعدة أحد من أحفادها، أقامت في إحدى مناطق القاهرة الأكثر فقرًا “منشية ناصر”، ولم تتلق حظًا من التعليم على الإطلاق للفقر الشديد الذي أحاط بنشأتها، إلا أن تجارب الحياة علمتها الكثير ومنه قول كلمة الحق والدفاع عنها مهما كان الثمن.
يروي ابنها الأوسط شريف عبد المنعم تفاصيل “جمعة الغضب” معها فيقول إنها كانت تشاهد المظاهرات مع أبنائها على إحدى الفضائيات ثم قالت في انفعال: ”حرام الشباب إللى بتموت دي ودمها بيروح هدر..”، ثم قامت مُدعية رغبتها في شراء خبز لأولادها، مصطحبة معها حفيدها عُمّر ذو الأربعة عشر عامًا.
أخبرت حفيدها بأنها تريد أن تأخذه في “مشوار”، ثم أضافت بعد وصولهما لمكان المظاهرات (التي وجدتها وصلت يومها منشية ناصر): “الشباب دول بيتظاهروا عشان حالة الغلاء اللي في البلد؛ وعشان حسني مبارك مُستولي على كل حاجة في البلد وعاوز يُورثها لأولاده”.
ولما رأتْ زكية إحراق البعض لسيارات خاصة صرختْ فيهم:”روحوا ولعوا في القصر (الجمهوري) وخرجوه منه (مبارك) بدل ما بتحرقوا في ممتلكات الناس”.
بعد قليل شاهد حفيدها عمر المئات من المتظاهرين يهرولون دون أن يفهم السبب؛ وسرعان ما وجد سيارتين للأمن المركزي تسرعان باكتساح ودهس المتظاهرين، حاول تحذير جدته إلا أنها لم تنتبه ، ومع اقتراب إحدى السيارتين الشديد منهما اضطر لترك يدها هاربًا من السيارة ليشاهد جدته وهي تدهس؛ ثم الجيران وهم يحملونها.
نقلها أولادها إلى “مستشفى الزهراء الجامعي” التابع لـ”كلية طب الأزهر” وهي فاقدة الوعي؛ وأخبرهم الأطباء أن زكية تعاني من نزيف داخلي في المخ وكسر في الجمجمة؛ وتم إدخالها وحدة العناية المركزة، فغادر أبناءها المستشفى التي رفضت مبيت أحدهم معها، وعند الساعة السابعة من صباح السبت 29 من يناير/كانون الثاني 2011م جاءوا للسؤال عنها؛ فأُخِبروا باستشهادها، لتدفن في نفس اليوم بمقابر عائلتها في مدينة نصر.
بعد دفنها توجه ابنها شريف إلى قسم شرطة الوايلي محررًا محضرًا ضد وزير الداخلية آنذاك حبيب العادلي، ومساعده لقطاع الأمن المركزي أحمد رمزي، ثم رفع الأمر إلى النائب العام؛ وبعد مرور عام على الواقعة أُخبِرَ أن قضيتها حُفِظتْ لعدم معرفة الفاعل.
يؤكد نجل الشهيدة عدم تكريم أي من الجهات لاسم الشهيدة بعد وفاتها سوى تكريم وافق صدور كتاب “نساء من الميدان” لإيمان بيبرس، رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة في نهاية 2011م، وتمنى نجل الشهيدة إعادة محاكمة قتلة الثوار، بخاصة أن جدته لم تكن تشتكي من مرض بل كانت صحتها جيدة؛ وكثيرًا ما كانت تُعيره وإخوته بأنهم بعد وفاتها لن يجدوا مِنْ يخدمهم؛ أو حتى يسأل عنهم!