Event: استفتاء الدستور
المهنة: دبلوم صنايع
السن: 32

حسني العقباوي.. ضحية عرس الاستفتاء

بخلاف ما حاول النظام المصري إظهاره باعتباره عرسا ديمقراطيا، كان المصريون على موعد آخر مع إراقة دماء العشرات في يوم الاستفتاء على دستور العسكر، وكان بطل قصتنا حسني العقباوي أحد ضحايا هذا العرس المزعوم.

وضمن نحو 60 شخصا، قضى العقباوي (32 عاما) نحبه، بالتزامن مع الاستفتاء الذي أجرته سلطة الانقلاب العسكري في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2014، في الوقت الذي كان والده قد انطلت عليه مزاعم العسكر، وسارع للمشاركة وهو لا يدري أن أول ثمرات هذا الاستفتاء دماء فلذة كبده.

حسني فتحي العقباوي، من مواليد 24 أكتوبر/ تشرين أول 1981، بقرية ناهيا التابعة لمركز كرداسة في محافظة الجيزة، وكان حاصلا على دبلوم صنايع، ويعمل موزعا لخطوط الهاتف المحمول.

كان العقباوي كغيره من آلاف الشباب المصري، يصارع الحياة في ظل ظروف صعبة؛ ليقدر على تحمل تكاليفها، وكان متحملا لقدر من المسؤولية منذ صغره، حيث جمع بين الدراسة والعمل، ليساعد والده في توفير دخل مناسب لأسرته.

استمرت معاناة حسني عقب الزواج، وعاين ظروفا صعبة وقسوة حياة مريرة، في سبيل سعيه لتوفير معيشة بسيطة لأسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين، بسملة (عامين) وإياد (7 أشهر)، وواجه في سبيل ذلك العديد من العقبات والصعوبات.

إلا أن ذلك على شدته، لم يمنعه من أن يكون صاحب موقف ورأي، فهو بطبعه لا يحب الظلم والظالمين، ويتخير المواقف التي يهتف فيها ويصدح برأيه في شجاعة ضد من سلبوا حقه وحق الشعب المصري بعد الثورة، ولذا كان ضمن المئات من أهل قريته الأبية الذين خرجوا يهتفون في سلمية، رفضا للاستفتاء على دستور العسكر.

يحكي شقيقه أحمد، عن ملابسات هذا اليوم وليلته السابقة، حيث كان شقيقه حسني حريص على أن يكونا سويا، فهو حسب وصفه يتعامل معه ليس باعتباره أخا فحسب، بل هو صديق وصاحب، ومن ثم طلب منه أن يبيت معه تلك الليلة لينطلقا سويا.

يستحضر أحمد أجواء هذا اليوم العصيب، حيث تواجدت قوات الجيش والشرطة بكثافة غير مسبوقة في قريتهم، لما هو معروف عن أهلها من بسالة وقوة، وكان شقيقه حسني يخاف عليه بشدة ويطلب منه بين الحين والآخر الابتعاد عن أماكن المواجهات مع تلك القوات.

وسرعان ما احتدم المشهد، وبدأ الأمن في مهاجمة الرافضين لهذا الاستفتاء، رغم أن تعبيرهم عن ذلك كان سلميا وفي مناطق بعيدة عن لجان الاستفتاء، ودوا صوت الرصاص وأطلقت القنابل المسيلة للدموع، ليصاب حسني برصاصة في الرأس ويسقط مدرجا في دمائه.

في البداية، لم يصدق شقيقه أحمد حين سمع اسمه، ضمن اسمي شهيدين سقطا، وظن في البداية أنه تشابه أسماء، إلا أنه عاد وتذكر أنهم في قرية صغيرة، وأنه لا أحد فيها يشترك مع شقيقه في اسمه، ليهرول سريعا ناحية المكان الذي سقط فيه حسني، ويعلم أنهم حملوه للمستشفى ليلحق به هناك.

كان الوقف صعبا حين رآه وتيقن من استشهاده، فحتى آخر لحظة كان أحمد يأمل في أن يكون من طالته رصاصة الغدر شخصا آخر، وكذا الحال مع ابن خالته وصديق طفولته، محمد عبد الرزاق، حيث لم يصدق نبأ الوفاة حتى رأى جثمان حسني.

وكما العادة، أجبرت السلطات الأسرة على أن يوقعوا على شهادة الوفاة بأن سببها الانتحار، وذلك ليسمحوا لهم باستلام جثمانه، ودفنه، رغم وجود عشرات شهود العيان ممن رأوا واقعة استهدافه برصاص الجيش والشرطة.

كان حسني متواضعا طيبا حسن الخلق والمعشر، ولا يتأخر عن مساعدة من يقصده، رغم ثقل همه ومسؤولياته الخاصة، وكان يحب الفقراء والمساكين، ويشارك في الكثير من الأعمال الخيرية رغم احتياجه الشخصي، وكان طموحه الشخصي محصورا في توفير حياة كريمة لطفليه وزوجته.

لم يكن لحسني أي انتماءات سياسية، فظروف المعيشة لا تكاد تدع له مجالا للتفكير إلا في سبل توفير متطلباتها، لكن ذلك لا يعني تجاهله لهموم وطنه وشعبه، فالمشاركة ضد الظلم كانت خياره في الكثير من الأحيان.

تقول والدته سعاد زكي، إن ابنها كان “إنسانا محترما”، يحرص على المشاركة في الفعاليات الخيرية، ويعطف على الفقراء والأيتام، وفي حال أبدت له عن مخاوفها من مشاركته في الفعاليات الرافضة للانقلاب، يقول لها “سيبيها على الله”.

ومع شدة ألم الفراق وقسوته، إلا أن ما يزيد ذلك الألم، رؤية ابنته بسملة التي لم تتجاوز العامين حين استشهاده، له بعد الإصابة، وما ترك ذلك من أثر عليها، حيث لا تزال تمسك بالهاتف المحمول، وتتخيل أنها تحدثه وتقول “ما تتأخرش علي يا بابا أنا منتظراك”.

شارك الآلاف في تشييع جثمانه وجثمان رفيقه عاطف الحلفاوي، رغم محاولة السلطات إرهاب المشيعين، حيث رافقتهم طائرات هليكبوتر للجيش، بهدف المراقبة خوف من خروج التشييع الغاضب عن السيطرة.

وخلال الأيام اللاحقة، وكذلك ذكرى استشهاده في السنة التالية، نظمت وقفات حاشدة أمام مسكنه، كما قام البعض بأداء العمرة له، وهتف باسمه وباسم رفيقه في الشهادة بذلك اليوم عاطف الحلفاوي، في الفعاليات وعلى منصات رافضي الانقلاب العسكري.

Other استفتاء الدستور victims