حسام خليفة.. الثائر المحب لفلسطين
في عرفه الثورة منهج حياة، والسعي للحرية مبدأ، واستخلاص الحقوق لا يتوقف عند حقه وحق شعبه فقط، وإنما يتجاوز ذلك لحقوق باق الشعوب وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، وكذلك حقوق من هم في المستقبل.
حسام حمدي خليفة (26 سنة)، استشهد في ثاني أيام أحداث محمد محمود، الأحد، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي راح ضحيتها عدد يتجاوز الخمسين شهيدا في الفترة ما بين السبت 19 نوفمبر، والجمعة 25 نوفمبر.
كان حسام له حياته المفعمة بما يطمح له الكثير من الشباب، شاب في مقتبل العمر.. خاطب ينتظر فرحة الزواج، ويعمل مهندس كمبيوتر، لكن الثورة على الظلم والطغيان ملأت كيانه وسيطرت على مشاعره، ومع بشائرها الأولى في مصر انحاز إلى خيارها، وحرص على المشاركة في كل فعالياتها، وباتت حديثه مع القريب والبعيد.
كان حسام أحد المسعفين في المستشفى الميداني بميدان التحرير أيام الثورة، وعرف بإقدامه وشجاعته في الدفاع عن الميدان من البلطجية خلال موقعة الجمل (2 فبراير/شباط 2011)، وأصيب حينها برصاصة في قدمه.
صرح للكثيرين وفي مقدمتهم والدته، بتمنيه نيل الشهادة، وحين كانت تظهر شفقتها وتخوفها من أن تفقده، ينظر إلى شقيقه الصغير، ويقول لها “نحن نموت لأجل أن يعيش هؤلاء أحرارا”.
كانت القضية الفلسطينية، في بؤرة اهتمامه، وكان حريصا على دعم حقوق الشعب الفلسطيني كلما سنحت له الفرصة، واتخذ من الجندي الشهيد سليمان خاطر، الذي قتل 7 إسرائيليين تسللوا إلى نقطة حراسته، قبل أن يتم اغتياله وهو يقضي حكما بالمؤبد في السجن، رمزا ثوريا، وكانت صورته تزين غرفته الخاصة.
كان حسام ضمن المشاركين في قافلة الثوار لإحياء ذكرى الانتفاضة قبل أشهر من استشهاده، وذلك في 15 مايو/أيار 2011، بهدف كسر الحصار عن أهل غزة، والتي وصلت حتى معبر رفح، وحاولت الدخول إلى الأراضي الفلسطينية لكن حيل بينهم وبين ذلك.
كان حسام حاضرا كذلك في أحداث اقتحام السفارة الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2011، واعتدت عليه الشرطة بالضرب وقتها، حسب رواية والده.
يوم الأحد، ثاني أيام أحداث محمد محمود، كان حسام برفقة صديقه أبو اليسر في إحدى خيام الاعتصام بميدان التحرير، وبعد أن غاب عنه للحظات وخلال هجمة غادرة من جنود العسكر، عاد ليتفاجأ به غارقا في دمائه، حيث ضربه جنود بالشوم (عصا غليظة) على رأسه لتتهشم وينتهي الأمر بفقدانه الحياة.
وحسب إحدى الروايات، فإن حسام كان لحظة الهجوم على الميدان يصلي العصر داخل خيمته، وبدأ الهجوم بإطلاق كثيف لقنابل الغاز، بعدها هجم العساكر على الميدان، وباغتوا حسام أثناء صلاته في خيمته، وضربه أحدهم على رأسه ليفقد توازنه ويسقط مغشيا عليه، ورغم محاولات إنقاذه إلا أنها باءت بالفشل لشدة الضربات، إضافة إلى اختناقه بالغاز الكثيف.
بالتزامن مع هذا الهجوم، كان شقيقه الصغير يشاهد التلفاز في البيت، وهو ينقل الأحداث مباشرة من الميدان، وصرخ قائلا لوالدته : “ماما.. حسام مات”، فنهرته أمه وقالت له “أوعى تقول كده تاني”، وهي لا تعلم أن أجل ابنها حسام قد حان في تلك اللحظة، وصعدت روحه للسماء.
كانت الضربات التي تلقاها حسام على رأسه شديدة ومؤثرة لدرجة أخفت ملامحه، وحين اختلطت جثته بجثث شهداء آخرين، لم يعرفه أحد أصدقائه إلا بمحفظته، فيما أرجع التقرير الشرعي سبب الوفاة، إلى إصابة في الرأس واختناق بالغاز المسيل للدموع.
حينما ذهب والده إلى مشرحة زينهم كي يلقي عليه نظرة الوداع، ويستعد لدفنه، هاله منظر ابنه وغيره من ضحايا أحداث محمد محمود، وأبدى أسفه الشديد لما وقع عليه بصره.
يقول والد حسام، “ابني كان مهندس كمبيوتر، وكان خاطبا وعلى وشك أن يتجوز، لكنه لم يكن راض عن وضع البلد، مثله مثل الكثير من الشباب، وكان يقول لي دائما أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، يا بابا البلد مليانة خير لكن مبارك أفسد كل شيء، وكل ما أطلب منه عدم المشاركة في المظاهرات يجيبني بأن أوضاع البلد لا تعجبه وأن حاميها حراميها”.