حذيفة عبد العظيم رمضان
أحد أصغر ضحايا فض ميدان رابعة العدوية، كما أنه من أشهرهم، بكته والدته السيدة ناهد عبد المقصود قبل أن تجف دماؤه وهو بين جنبات الميدان، في مقطع فيديو شهير حاز انتشارا واسعا وترك أثرا عظيما فيمن شاهده، وعكست فيه الوالدة ثباتا ورضا بقضاء الله رغم عظم البلاء.
حذيفة عبد العظيم رمضان (16 عاما) شاب غض من محافظة الإسكندرية، طالب بالصف الثاني الثانوي قدم إلى ميدان رابعة العدوية مع أسرته في عيد الفطر المبارك، ليكتب لهم شهود أيامه الأخيرة بما فيها يوم الفض (4 أيام)، ويكتب لحذيفة أن يكون أحد شهداء هذه المجزرة التي راح ضحيتها المئات من المشاركين في الاعتصام.
“والله يا رب أنا راضية.. احتسبته عندك شهيدا” عبارات أم حذيفة التي ظلت ترددها عقب علمها بمقتله، إلى جانب دعائها بأن ينتقم الله من الظالمين وأن يحقن الله دماء باق المعتصمين، تلتها كلمات تصبر وثبات وتجلد.
لا تنسى الوالدة المكلومة خلال حديثها عن فقيدها في أكثر من موضع أن من آخر كلماته لها حين قدم عليها في خيمة الاعتصام مع بداية عملية الفض ليودعها قبل ذهابه للمشاركة في تأمين الميدان، “جئت إليك يا أمي لتري الشهيد الحي” لترد عليه وهل تربت على كتفه “في حواصل طير خضر” ليعود بالقول “يارب تدوري على ما تلاقينيش إلا وأنا شهيد”.
ولذلك، تتذكر أم حذيفة ابنها دائما بلقب “الشهيد الحي” بينما يتذكره أصدقاءه وجيرانه بلقب “الملاك” لما عهدوه عليه من كثرة عمل الخير رغم حداثة سنه، وحرصه على بشاشة وجهه، وحمله الدائم لكتاب الله، ومسابقته إلى خدمة من يصاحبهم.
كان حذيفة طالبا في الصف الثاني الثانوي بالأزهر الشريف، حفظ كتاب الله في سن مبكرة، وكان متفوقا في دراسته، فقد كان الثاني على الجمهورية في المرحلة الابتدائية بالتعليم الأزهري، وظل محافظا على ترتيب متقدم في سنوات دراسته اللاحقة، وتم تكريمه أكثر من مرة بمشيخة الأزهر. وكان الأخ الأكبر لأخين وأخت واحدة.
وإلى جانب تفوقه الدراسي وحفظه لكتاب الله، كان حذيفة (حسب شهادات أقرانه ومن عرفوه) لبقا حاضر البديهة، مثقفا فطنا، تحكي والدته أن من أمارات فطنته، تأكيده لها مع بيان الانقلاب العسكري، أن ما يتم ليس مجرد انقلاب، وأن ما يليه سوف يكون أسوأ.
تعتبر السيدة ناهد أن حذيفة كان “أغلى هدية” وهبها الله إليها ثم ابتلاها باصطفائه، فهي تحمد الله على الوهب والاصطفاء، كما تؤكد أنه كان بارا بها وبوالده طوال سنوات عمره القصيرة، وكان لنجابته وسبقه لسنه تعتبره صديقا تتجاذب معه أطراف الحديث الجاد، وكغيرها تأسف على موته على يد مصريين .
لا تنسى كيف أنه في إجابة على سؤال بمادة التعبير في الصف الثالث الابتدائي، عمن هو صديقه المخلص، كتب “ماما ناهد”، وتستذكر كيف يبادر في حال رغبته للنزول للهو مع أصدقائه باستباق ذلك تسميع قدر من كتاب الله عليها ليشعر باستحقاقه للأمر.
وثق مركز الحضارة للبحوث والدراسات والتدريب، سيرة حذيفة إلى جانب العشرات من ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية في فصل بعنوان “أطهر دماء” ضمن عمل توثيقي لسير شهداء الثورة المصرية في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري.
نقل العمل التوثيقي بأن صلته بأهله لم تنقطع بعد موته، فلا يزال يأتي أمه في رؤى مبشرة، حيث رأته عدة مرات في كفنه وهو مبتسم مستبشر، كما رأته تارة خارج كفنه، يصلي بالناس إماما، وأخرى مع عروسه بردائها الأبيض في الجنة، وهي تقول لها “حذيفة ما متش (لم يمت)”.
وذات مرة رأته في منامها وطلبت منه أن يمكث معها قليلا، فأجابها “أنا مشغول”، لتستبشر ويقع في نفسها تفسير يتوافق مع قوله تعالى: “إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون”.