حذيفة سعيد.. الصديق الوفي
“سألحق بهم”.. كان ذلك لسان حاله ومقاله بعد أن سبقه عدد من أصدقائه إلى الشهادة، وظل وفيا لذكراهم يحكي قصصهم ومآثرهم، ويؤكد في كل محفل أنه باق على العهد معهم، حتى جاء الموعد، في 15 أغسطس/آب 2014، الذي وافق اليوم التالي للذكرى الأولى لفض اعتصام رابعة العدوية
حذيفة سعيد أبو العنين (19 سنة)، من مواليد الأول من أكتوبر/تشرين أول 1995 في المملكة العربية السعودية، حيث كان يعمل والده، وهو من أسرة مكونة من والدين و6 من الأبناء والبنات، هو ثالثهم.
أتم حذيفة حفظ كتاب الله وهو في السادسة عشر من عمره، وتخرج من الثانوية العامة بمدارس مدينة تبوك بتفوق، ثم عاد إلى وطنه لإتمام تعليمه الجامعي، حيث التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة.
تميز حذيفة بالعديد من الصفات والسمات الحسنة وعرف بأخلاقه العالية، والتي كان من أبرزها بره بوالديه، وحسن علاقته بأشقائه، وهم ولدان و3 بنات، واحترامه وأدبه الجم، وتقديره للجميع وإن اختلف معهم.
تربى حذيفة في أسرة محافظة، حرصت على أن يكون أبناؤها ممن يصدق فيهم وصف “شاب نشأ في طاعة الله” وعززت لديهم المنافسة في فعل الخيارات والتسابق في السعي لمرضاة الله، إلا أن حذيفة كان مميزا، حتى قال شقيقه “كان يسبقني في كل فعل خير”.
كان حذيفة في منزله مرحا، يحب ممازحة والديه، وكان من قربه لأبيه يناديه في بعض الأحيان باسمه ويقول له حين يغضب “شكلك عاوز تتباس” أو “شكلك عايز تتجوز” وكان دائما يقبل رأس والديه، واعتاد إذا ما حصل على هدية في حلقات تحفيظ القرآن التي يلتحق بها أن يعطيها لأحد والديه حسب نوعها، وبداية كل شهر يعزم أهل البيت على حسابه.
ومن آثار تربيته الصالحة، أنه كان شديد الحياء، يتجنب مصافحة أي فتاة، وهو الأمر الذي كان يستغربه أصدقاءه وربما سخروا منه، إلا أنه كان لا يأبه لذلك، وكان مع ذلك بشوشا حسن المعشر، لا تغادر الابتسامة وجهه.
كان حذيفة اجتماعيا، يحب تكوين الصداقات وتنمية العلاقات مع الغير، على أسس سليمة قويمة، وبرع في ذلك حتى بلغ عدد أصدقائه قرابة الألف صديق، خلال عامه الأول في الجامعة، وهو الأمر الذي ساعده للوصول إليه ما سبق ذكره من سماته وصفاته الحسنة التي فتحت القلوب له.
البشاشة والود وحسن المعشر كانت مع الوالدين والأشقاء كما هي مع الأصحاب والأصدقاء، فلم يكن حذيفة كآخرين يتجملون بالابتسامة أمام الغريب ويبخلون بها مع القريب، ولذا وصفته أمه بأنه “فاكهة” البيت، يحرص على إشاعة البهجة والسرور بين جنباته، حنون على أخواته البنات.
من الله على حذيفة، حيث سهلت له نشأته في السعودية بأن يؤدي مناسك الحج قبل عودته إلى مصر، كما اعتمر أكثر من 15 عمرة، وإلى جانب حفظه لكتاب الله، وعى حذيفة وحفظ العديد من الأحاديث النبوية الشريفة.
وإلى جانب هذه الصفات التي أظهرت إقباله على الحياة، كان حذيفة شجاعا مقداما، لا يهاب مواجهة الظلم وإن تسلح بأسلحة القتل والفتك بالعزل والضعفاء.
ورغم أن حذيفة عاد إلى مصر وهو يحلم كغيره من أبناء جيله من الشباب بأن يتملك هاتفا وجهاز لاب توب وسيارة وكاميرا، إلا أن ذلك لم يحل دون وقوفه في وجه الظلم، منافحا عما يراه حقا تم إهداره، ونصرة لخيار شعب تم سرقته من قبل العسكر.
توافق حذيفة مع عدد من أصدقائه في مرحلة الثانوية على السعي لنيل الشهادة، فكأن أن كتبها الله لبعضهم ومنهم حذيفة، الذي ما فتئ يتذكر من سبقه إليها منهم، ويؤكد في كل مناسبة أنه سائر على دربهم ولا بد لاحق بهم، حتى حقق الله له أمنيته.
حرص حذيفة على المشاركة في مختلف الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري والوقوف في الصفوف الأولى فيها، وكان أغلب حديثه مع أصدقائه قبل أي فعالية عمن يسبق إلى الشهادة، ويتعاهدون فيما بينهم أن يشفع من ينالها للباقين، وبعد سقوط بعض أصحابه شهداء، أقسم أن يعمل على القصاص لدمائهم أو الموت مثلهم.
كان حذيفة حاملاً هَم أمتِه وبلده، مُنشغلا بقضاياها، وقبل أن يأتيه الأجل بأيام، طلب من أصدقائه ومن يعرفهم ويعرفوه أن يسامحوه ويأخذوا حقوقهم منه، حيث كان حريصا أن يبرئ ذمته من الحقوق.
لم يتسن لحذيفة التواجد حين فض اعتصام رابعة العدوية، ومن ثم كان حريصا على المشاركة في الفعاليات اللاحقة له، ومن ذلك إحياء ذكراه، حيث كان مشاركا في مسيرة بشارع فيصل في محافظة الجيزة، أصيب خلالها برصاصات في صدره ورأسه أنهت حياته وهو بعد لم يبلغ العشرين من عمره.
كانت جنازة حذيفة حاشدة، شارك فيها المئات، وهتفوا في غضب مؤكدين على الوفاء لدمه وباقي الشهداء، واستمرارهم في النضال لتحقيق الأهداف التي لأجلها قضى شهيدا، ورأت والدته فيها ما أبهج قلبها وواسها في مصابها وطمأنها على مآل فلذة كبدها.
ومثلما كان حذيفة وفيا لمن سبقوه من أصدقائه الطلاب، ظل أصدقاؤه أوفياء له يهتفون باسمه في مسيراتهم ومظاهراتهم ويرفعون صوره في وقفاتهم، كما تجاوز التضامن معه الحدود، وأدى البعض عمرات أهدوا له أجرها.