بهاء الدين سنوسي.. شهيد محمد محمود بالإسكندرية
لم ينحصر شهداء أحداث محمد محمود فيمن سقطوا بين جنبات هذا الشارع المجاور لميدان التحرير في القاهرة، والذي بات أحد رموز ثورة يناير، فهناك آخرون سقطوا على ساحل مصر الشمالي، وهم يطالبون بذات مطالب رفقاء ثورتهم في القاهرة.
بالتزامن مع تلك الأحداث الدموية التي سقط فيها نحو 45 شهيدا في شارع محمد محمود وبدأت في 19 نوفمبر 2011، خرج ثوار الإسكندرية أمام مبنى مديرية أمن المدينة، للتضامن مع رفقائهم في ميدان التحرير، وشهدت تلك التظاهرة مواجهة مع قوات الأمن، سقط خلالها شهيدان أحدهما بطل قصتنا، ومصابون آخرون.
بهاء الدين سنوسي (25 سنة) خريج كلية التجارة، كان مشاركا في فعاليات الثورة منذ انطلاقها وعضوا في ائتلاف شبابها، قبل أن ينضم للحزب الفتي حينها “التيار المصري” رفقة الكثير من أقرانه ممن لم يروا في الأحزاب والحركات القائمة ما يلبي طموحاتهم وأحلامهم التي تجاوزت مخاوف قيادات وسياسيي تلك الكيانات.
قبل استشهاده بلحظات، طلب من بعض أصدقائه التقاط صورة جماعية، قائلا: “تعالوا نأخذ صورة مع بعض علشان لما نستشهد يعملوا صفحة ويسموها صفحة كلنا مع بعض” وهو لا يدري أنه وحده من سيستشهد، وأن الصفحة سيدشنها أصحابه له بذات الاسم.
كانت لحظة استشهاده عند الساعة الحادية عشرة ونصف من مساء 19 نوفمبر 2011، والتي شهدها المئات من المتظاهرين، حيث بدأ الأمر بمشاهدة ليزر قناصة الداخلية يلاحق المشاركين قبل سماع دوي طلقات ليسقط بهاء الدين سنوسي شهيدا ويصاب آخرون، ويعقب ذك إطلاق tكثيف للغاز المسيل للدموع، بقصد إرباك المشهد.
حاولت وزارة الداخلية التنصل من المسؤولية عن مقتل بهاء، وأشاعت أنه قتل على يد سيدة أطلقت النار عليه، الأمر الذي دفع أسرته بتوجيه اتهام صريح ومباشر لوزارة الداخلية بقتل ابنها، ووافقت على استخراج حثته وإعادة تشريحها لإثبات ذلك، كما شهد نشطاء أمام المحكمة بما يدعم اتهام الشرطة بقتله.
مما كتبه بهاء في الأيام التي سبقت استشهاده بعد تقديم عدد من النصائح لشباب الثورة “أعظ نفسى وإياكم بالصبر والوعى والحذر وألا يخدعنكم أحد تحت أي شعار أو إغراء أو ابتزاز، فلقد تحملنا كثيرا وصبرنا كثيرا، وحان وقت بناء بلادنا وتحرى المصلحة العامة”.
شهد له من يعرفه بأنه بدأ بنفسه وعمل بما وعظ به، وألهمه اجتهاده أن مصلحة بلده في المشاركة في التظاهرات السلمية أمام مديرية أمن الإسكندرية، المتزامنة مع أحداث شارع محمد محمود في القاهرة، للمطالبة بتقويم المسيرة، وهناك نال الشهادة، التي كان يرى أنه “مش أي حد ينولها”.
من كتاباته التي باتت دليلا عليه وعلى رؤيته، رسائل وجهها إلى الكيانات الأبرز حينها، وفي مقدمتهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وجماعة الإخوان المسلمين، والتيار السلفي، وائتلاف شباب الثورة، عنونها بـ “شيء في صدري”، ورأى فيها كثيرون لهجة صادقة ولغة هادئة ونصائح حكيمة، عكست هما حقيقيا لدى سنوسي بمستقبل بلده.
تأثر أقرانه وأصحابه تأثرا شديدا باستشهاده، وتتابعت الفعاليات اللاحقة للتعبير عن الغضب الشديد لمقتله برصاص عناصر الأمن، ما بين تظاهرات ووقفات، ورسومات جرافيتي في شوارع مدينة الاسكندرية.
شهدت جنازة بهاء الدين سنوسي، مشاركة آلاف الغاضبين ممن رددوا هتافات تطالب بالقصاص ومحاسبة المسؤولين عن إسالة دماء المصريين، وأقيمت صلاة الجنازة عليه بالمسجد في مدافن المنارة بمدينة الإسكندرية قبل أن يوارى جسده التراب.
ظل بهاء الدين حاضرا في ذاكرة أصحابه ومحبيه، وحرصوا على إحياء ذكراه في سنوات لاحقة عبر فعاليات مختلفة، ففي ذكراه الأولى دشن نشطاء على موقع فيس بوك حملة لإحياء ذكراه، وأعادوا نشر كلماته وتدويناته، كما دعوا إلى زيارة قبره والدعاء له.
كتب عنه أحمد محمد عبد الجواد، أحد مؤسسي حزب التيار، حين علم باستشهاده “أشهد الله عز وجل أن هذا الشاب كان مخلصا محبا لوطنه، متجردا وقلما رأيت مثل تجرده، فقد كان لا يتحرج من أن يقوم بنفسه بكل أعمال النظافة والترتيب لمقر الحزب بالإسكندرية وغيرها من الأعمال والأنشطة.. رحمك الله يا بهاء وغفر لنا تقصيرنا في حقك”.