إبراهيم زلط الشهيد المبتسم زينة الشباب
اجتهدت في أن تخالف توقعه وحاولت حبس دموعها عليه أو حتى كفكفتها وإخفائها عن الآخرين، لكن عاطفة الأم غلّابة، فالقلب يحزن والعين تدمع ولسان حالها “إنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون”.
الحاجة زكية، والدة الشاب إبراهيم زلط (24عاما) “زينة شباب العائلة” حسب حديث أخيه الإعلامي علي، قالت في مداخلة هاتفية مع فضائية الجزيرة عقب استشهاده، إنها رغم حزنها الشديد عليه، استقبلت نبأ استشهاده بنفس راضية محتسبة إياه شهيدا عن الله.
لكنها في المداخلة ذاتها أبدت أسفها وحزنها لوفاته على يد مصريين. كتب إبراهيم قبل يوم من استشهاده في ذكرى ثورة 25 يناير الثالثة، “بكرة في كام واحد سيستشهد وفي كام أم ستبكي على ابنها (..) لو كانت الحرية إرهابا فنعم هو الإرهاب” وبعدها كتب “لأي شخص زعلان أو شايل مني.. يا ريت تسامحني.. غدا نكمل الثورة، والأعمار بيد الله.. سامحني يا الله”.
إبراهيم، تخرج من كلية التجارة بجامعة طنطا، أصغر إخوته الذكور السبعة إلى جانب أختين إحداهن أصغر منه، عمل محاسبا في إحدى الشركات المرموقة بمصر، وكان نابها طموحا، حسب شهادات أسرته وذويه، كما أنه كان مجتهدا في عمله كما كان حاله في دراسته.
كما أنه كان مفعما بالحياة، مبدعا في خلق البهجة أينما حل أو ارتحل، ففي أفراح أصدقائه كان يتطوع بالعمل على خدمة الضيوف والعمل على إبهاج الحضور بانتقاء أكثر الأناشيد حداثة وبهجة لإحياء الحفل.
كان عين أختيه على الحياة، فهو حنون دائم الصحبة لهن، وكن دائمات الذكر له بالخير وتمني السعادة له في حياته، ومن ثم كان فقدهن له صعبا وشديدا على قلوبهن.
باغتته رصاصة جاءت من قوات الأمن في 25 يناير 2014، خلال مشاركته في مسيرة لإحياء ذكرى الثورة بشارع السودان في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، واخترقت ظهره لتستقر في أحشائه ويصاب بنزيف داخلي، ليبقى بعدها أربع ساعات ينزف وترفض المستشفيات الخاصة والعامة استقباله، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
شارك في ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها من مشاهدا مكملة لها، كما شارك في اعتصام رابعة العدوية المطالب بعودة الشرعية وإنهاء الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي.
قال شقيقه الأكبر علي إنه قبل المظاهرات بـ 24 ساعة هاتف والدته للاطمئنان عليها وعلى أفراد الأسرة، ومازحها بقوله “متى تقدم أسرة زلط شهيدا يشفع لها عند ربها” لتأتيه الإجابة في اليوم التالي بوفاة أخيه الأصغر.
كتب شقيقه كذلك في ذكراه الأولى: ” حُرمت – و أنا شقيقك البكر- من شرف حمل نعشك إلى جنات الخلد، عزائي أن شيعتك الملائكة مردفين، قلب أمك انفطر، الدم أضاف إلى همومها ألف هم، لكن قناتها لم تلين، نعلل أنفسنا بالصبر، بأن باطن الأرض حضن أحن عليك من الوطن، حواصل الطير الخضر أُودعت سر حياتك حتى حين”.
ويضيف “بين استفاقة وإغماءة كنت تتمتم اللهم أسألك الجنة و أعوذ بك من النار، اللهم إن كانت إعاقة فاجعلها شهادة، فاصطفاك الإله يا سابقنا إلى الجنة.. لا يزال الرصاص يلعلع.. أكتب إليك هذه الكلمات والموت يتخطف بني قومي، دمكم عند الدولة الظالم أهلها رخيص، وهو عند الله عظيم”.
كان مما طمأن فؤاد والدته وإخوته وأحبابه، ابتسامة ارتسمت على محياه بعد الوفاة وحتى الدفن، وشهد بذلك الكثير ممن شهدوا شهادته ومراسم غسله ودفنه.
كان في حياته هادئا يجنح إلى الصمت الطويل، إلا أنه كان مرحا بشوشا، خفيف الظل، لا يعرفه أحد إلا أحبه، حسب شهادة والدته، وكان معروفا لدى الجميع في قريته ولدى أهل شارعه بمحل إقامته في مدينة طنطا، وكانت آخر مكالمة له مع أحد أشقائه، حديث عن تجديد النية والاغتسال وصلاة ركعتين قبل المشاركة في ذكرى الثورة.
بكاه الكثير من الأهل والأصحاب، ودشنوا له صفحة على موقع فيسبوك لإبقاء ذكراه حاضرة، والتي شهدت مشاركة أكثر من 36 ألف ناشط على الموقع، كما شهدت جنازته مشاركة حاشدة من قبل أبناء قريته، الذين لم تهدأ أصواتهم من الهتاف دعاء على قاتليه.