أيمن سعد.. ضحية رابعة “البسيط”
لم تنحصر قائمة ضحايا فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة والتي اعتبرت أحد أفظع مذابح القرن الجاري، في عشرات الشخصيات المعروفة أو تلك التي كان لها نشاط سياسي أو اجتماعي بارز، فهناك المئات من البسطاء الذين كانت أحلامهم بسيطة، ودوافع مشاركتهم مختلفة.
أيمن سعد عبد العزيز (38 عاما) أحد هؤلاء البسطاء والذي حرص رغم شظف عيشه، وضيق رزقه، على اللحاق بمعتصمي رابعة، بعد أن سمع بقيام قوات الجيش والشرطة بدأهما الهجوم على الميدان ومن فيه لفضه، واستخدامهم لذلك أنواع أسلحة مختلفة أدت إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين.
لدى أيمن 5 أبناء، أحمد وإيمان، وهما توأمان كانا حين استشهاده في الصف الثالث الإعدادي، وتوأم ثلاثي محمود ومحمد وسعد، وكانا في الصف الرابع الابتدائي حين الاستشهاد، وقد رزق بهما بعد 8 سنوات من الانتظار والصبر، إلا أنهم حرموا عطفه وحنانه عقب استشهاده إلى الأبد.
كان أيمن حسب ذويه وأسرته، من أنفع الناس لأهله وجيرانه، وكان بارا بوالديه، مواظبا على صلاة الجماعة، وخاصة صلاة الفجر، كما كان متعهدا لكتاب الله محافظا على قراءته، وكان سهلا عفيف اللسان، أحبه كل من عاشره وتعامل معه.
عرف بشدة بره بوالديه، حيث كان يبدأ يومه بصلاة الفجر والذهاب إليهما، وتقبيل يديهما ورأسيهما كل يوم، وسؤالهما عن أحوالهما واحتياجاتهما، وبات الأمر عادة يُفتقد في حال شغله عنها شاغل.
لم ينتم أيمن لجماعة أو حزب، كما لم يكن من المعنيين بالأحداث السياسية والتجاذبات التي ملأت الساحة حينها، إلا أنه كان مخلصا لوطنه محبا له، داعما للثورة ولأهدافها، حريصا على المشاركة في الفعاليات العامة التي لا خلاف حول أهدافها النبيلة.
لم يكن أيمن ضمن المعتصمين حين بدأت عملية الفض، بل لم يكن في القاهرة من الأساس، وإنما كان في محل إقامته في قرية بني جري بمركز أبو حماد في محافظة الشرقية، وبينما كان يشتري الخبز لأسرته، سمع ببدء عملية الفض، فهرع سريعا للسفر إلى القاهرة، والالتحاق بالاعتصام.
ورغم المحاولات المتكررة من والده وزوجته لإثنائه عن الذهاب، إلا أنه كان قد حسم أمره ولم تعد هناك فرصة لإقناعه بالتراجع عن قراره، وكان رده حاسما، “لا يمكن أن أرى المعتصمين يتعرضون لما يحدث وأنا بعيد عنهم.. إن كان الله قد كتب موتي فسأموت على أي حال”.
يستذكر والده الحاج سعد محمد، رصيده الكبير من “الحنان” و”البر” وقدره العالي من الاحترام بين أهله وجيرانه، ويحكي لحظاته الأخيرة معه، حيث كانا سويا في بلدهما حتى الساعة العاشرة من صباح يوم الفض، وحين سمع بما يحدث للمعتصمين ظل يبكي ويركض سعيا للحاق بهم في أسرع وقت.
ولم تجد محاولاته المتكررة لثنيه عن الذهاب، وإقناعه بأنه لا فائدة ترتجى من انضمامه إلى المعتصمين في هذه المرحلة، وأصر على قراره وسارع بالسفر إلى القاهرة، وظل والده يتابعه بالاتصال بين الفينة والأخرى للاطمئنان عليه، وفي كل مرة يرد عليه باكيا من هول ما يرى ويسمع.
آخر تلك المكالمات، أخبره فيها أيمن أن قد وصل إلى ميدان الساعة القريب من ميدان رابعة العدوية، وبعدها لم يعد يرد على هاتفه، حتى ورد اتصال من هاتفه، وحين رد الوالد، سمع صوت أحدهم يخبره بأنه أحد المسعفين، وأن ولده قد استشهد وهو معهم في عربة الإسعاف.
أصيب أيمن بطلقة في الرأس من قناص مجرم في حق أهل شعبه، حسبما علم والده لاحقا ممن كانوا معه، والتحق بركب شهداء رابعة العدوية الذين بلغوا المئات يومها.
ضاقت الدنيا في عين الوالد، وحسب وصفه فقدت الدنيا أي قيمة لديه، وكان عزاءه الوحيد أن ابنه شهيد في سبيل نصرة الحق والدفاع عنه، مؤكدا في حزم على أن القصاص حتمي يوم القيامة، وأنه لن يتنازل عن هذا الحق، وعن محاسبة قتلة ابنه أمام الله.
بينما تصف والدته الحاجة نعمات، قدر بره بها وكيف أنه كان إضافة إلى شقيقه محمد وتيسير، زينة حياتها الدنيا، وأنه لم يبدر منه أي عمل سيئ أو فعل مخل للمروءة خلال حياته، مشددة في ذات الوقت على أنه لم يكن ينتم إلى جماعة الإخوان أو غيرها من الأحزاب والحركات.
فيما لم تفلح محاولة زوجته سناء في إظهار التماسك، مشيرة إلى أن أحوالهم كأسرة تأثرت بشدة بعد استشهاده، وأنه بفقده “اتبهدلت” العائلة وازداد حملها الذي كان عونا كبيرا لها في مواجهته، لافتة إلى أن هدفه الأساسي للالتحاق بالاعتصام، مساعدة المصابين والمشاركة في إسعافهم.
الابن الأكبر أحمد يستذكر خلال حديثه عن والده، عطفه وحسن معاملته، وتلبيته جميع طلباته، حيث كان لا يتأخر عليهم بشيء، وكيف أنه وباقي إخوته يفتقدونه بشدة بعد استشهاده.
ودع أيمن ذووه ومحبوه وأهل بلدته إلى مثواه الأخير، والقلوب يعصرها الألم كما الحال مع أهالي المئات من ضحايا مذبحة الفض وتوابعها، إلا أنه مع هذا الألم كان هناك غضب مستقر في النفوس ودعاء على الظالم حتما سيصيبه ولو بعد حين.