أميرة سمير السيد دويدار
كانت أميرة في الصف الثاني الثانوي، سعيدة باقتراب التحاقها بالجامعة، تذاكر بكل قوة ولا تشاهد التليفزيون أو الانترنت، تتمنى أن تكون من أوائل الثانوية العامة.
تتحدث أمها عنها:” أميرة كانت قدوة حسنة لجميع من حولها، حافظة للقرآن، وتسابقني أنا وأبوها في رمضان في ختمه خلال الشهر، رياضية ومتفوقة، دوما تزور دار الأيتام المقابل لمنزلنا، تجلس معهم وتلاعبهم وتشتري لهم الهدايا بإعتبارها “أم بديلة. عندما كانت أمها تذهب معها كانت تبكي بينما تنصحها أمها “يا أمي، اسعديهم اليوم والعبي معهم واشعريهم بالحنان لأنهم يحتاجون الأم.”
تقول الأم” الآن جميع من في دار الأيتام يسأل عليها. تتذكر غادة علي عبد العاطي، والدة أميرة، يوم قتلها يوم جمعة الغضب، “استيقظت أميرة مبكراً، صلت الصبح ورتبت غرفتها، ثم ذهبت لحضور الدرس الخصوصي في منزل صديقتها وزميلتها هدى في العمارة المجاورة لسكننا.”
كان الدرس في الثانية عشر لكن المدرس اعتذر، وبعد دقائق عقب صلاة الجمعة، بدأ صوت المظاهرات أمام قسم شرطة الرمل ثان، الذي يبعد 155 متراً عن منزلنا. تقول الأم” كانت أميرة أمام عيني تطل من نافذه مسكن زميلتها عندما بدأ إطلاق الغاز المسيل للدموع صرخت عليها لتحضر إلى البيت” لكن الخروج والسير حتى لهذه المسافة القصيرة كان مغامرة، ردت أميرة” لا أستطيع يا أمي، هل تودين أن تفقديني؟” قالت الأم” إذن ابقى عند صديقتك حتى تهدأ الأوضاع.”
انشغلت الأم بعدها بما يحدث أسفل مسكنها، من فتك متوحش لقوات الشرطة بالمتظاهرين وبدأت هي وابنها الآخر أحمد 12 سنة في إلقاء المساعدات الماء والخل لمساعدة الشباب في الشارع وسط عنف وقسوة تعامل الشرطة، التي تصفها بأنها مجزرة كانت تجرى أمام عينيها، وكانت مطمئنة أن ابنتها آمنة لدي صديقتها.
لكن في هذا الوقت لم تكن ابنتها آمنة، فقد كانت تشاهد ما يحدث في الشارع، وأخرجت هاتفها المحمول لتسجل به ما يحدث، ولم تمر لحظات إلا أن أسرة صديقتها فوجئت بأميرة تصرخ وتقفز من الأرض، ظنوها في الوهلة الأولى خائفة مما يحدث، لكن عندما وضعت صديقتها يدها على ظهرها فوجئت بالدماء يتدفق منه بغزارة، بعد أن استهدفها قناص من قوات الأمن، سقطت أميرة ولم تدرى أسرة صديقتها ماذا تفعل، وكيف تبلغ أمها بما حدث لابنتها الوحيدة. اتصلت الأسرة بخال أميرة الذي حضر في الحال رغم صعوبة الوضع في الشوارع، وأبلغ الخال والد أميرة دون والدتها، وحملها الخال والأب إلى المستشفي وسط طلقات الرصاص.
لم تدرك الأم ما حدث لابنتها أميرة، وكانت كلما اتصلت للسؤال عليها كان الرد أنها تذاكر مع صديقتها وأنهم لن يسمحوا لها بمغادرة المنزل حتى يهدأ الوضع في الشارع.
ولم تفلح محاولة إنقاذ أميرة التي أسلمت الروح، وعندما وصل بها والدها وخالها إلى إحدى المستشفيات، وضعوا جثمانها في الثلاجة وغادروا إلى البيت لا يعرفون كيف يخبروا أمها، وعندما عادوا إلى البيت اضطروا للكذب على أمها عندما سألت عن ابنتها “المصابة” فقالوا لها أنها في الرعاية المركزة، وعندما صرخت فيهم كيف يتركوها لوحدها، كانت الدموع هي إجابة والدها فأحس قلب والدتها أن أميرة ذهبت إلى ربها.
في صباح 29 يناير، بعد رفع حظر التجول، خرجت الأسرة إلى المستشفى، ولم يسمح الأب لأم أميرة بدخول المستشفى بل قال لها أن تنتظر في سيارة أحد الأقارب الذين كانوا حاضرين، وبعد وقت قليل اكتشفت والدة أميرة أنها ذاهبة لدفن ابنتها، فلم تبك، لأن ألمها كان كبيراً، وكل ما طلبته هو أن تلقى نظرة أخيرة على ابنتها التي لن تستطيع أن تراها في ثوب زفافها الأبيض، وبدلا منه كان الكفن.