أسماء البلتاجي
إبنة وحيدة بين أربعة أشقاء ذكور، عرف عنها نهمها للقراءة في شتى المجالات، وقدرتها على تكوين أصدقاء من مختلف الأعمار، كانت تهتم بأمور أكبر من سنها، عرف عنها تفوقها الدراسي وكانت التاسعة علي الجمهورية في الشهادة الابتدائية، الأولى على مدرستها وأحيانا على مستوى الإدارة التعليمة، ورغم أن والدها كان من أبرز قادة الجماعة الأخوان، وهو الدكتور محمد البلتاجي، إلا أنها كانت كثيرة الاختلاف معه ومع مواقف الجماعة، وذات شخصية مستقلة، كانت حاضرة في مقدمة الصفوف الثورة المصرية في فعاليات الثورة منذ بدايتها 25 يناير، كما شاركت أيضاً في أحداث شارع محمد محمود، رغم أن جماعة الإخوان رفضت المشاركة في تلك الأحداث، ولم تشارك في أحداث رابعة العدوية إلا بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، بينما تستعد للعام دراسي جديد عام، هو نهاية المرحلة الثانوية وتسعي جاهدة في تحقيق حلمها في أن تدخل كلية الطب ومن ثم الالتحاق بنشاطات الإغاثة العالمية.
في صباح يوم الأربعاء الموافق 14 من أغسطس عام 2013م، كانت أسماء البلتاجي بصحبة أمها سناء عبد الجواد في ميدان رابعة، قبل بداية الأحداث عرضت عليها أمها الذهاب إلي البيت ثم العودة، لكنها رفضت وفضلت البقاء، وفي ذلك الوقت بدأت الشرطة والجيش بالهجوم على المعتصمين، بالرصاص الحي والخرطوش وقنابل الغاز من كل جانب، وسط كل هذا، طلبت أسماء أن تتوضأ لتصلي، ولم يكن وقت الصلاة، فتعجبت الأم من هذا الطلب في ذلك الوقت، سريعاً أخرجت أسماء من حقيبتها زجاجة ماء صغيرة وطلبت أن تسكب لها أمها الماء حتى تتوضأ، وبين ضرب النار وقفت تصلي، وبعد الانتهاء من الصلاة وقفت بجانب المنصة تهندم ملابسها وتقوم بضبط حجابها وسط استغراب الجميع، وطلبت من الأم تسمح لها أن تذهب إلي المستشفي الميداني المقام داخل مسجد رابعة العدوية ( كان على بعد دقائق سيراً) فرفضت الأم لأن الوضع يزداد سوءاً والقناصة لا يتوقفون عن إطلاق النار، فجأة جاءت مجموعة قذائف من الغاز المسيل للدموع، وحين استطاعت والدة أسماء الرؤية لم تكن بجانبها.
أصيب أسماء بطلقات رصاص حي مميتة، وسقطت أرضاً، فحملوها من كانوا بجوارها إلي داخل المركز الطبي لإنقاذها وعلمت والدتها بما حدث فأسرعت إلي هناك، حاول الطبيب أحمد فهمي إسعافها وفق شهادته التي قالها لاحقاً، لكن لم يستطع، فلقد أحدثت الرصاصة، التي أطلقت من طائرة هليكوبتر تهتكاً في الصدر والطحال وأصيب شريان أو وريد مما جعلها تنزف وقال: ” أنه من الممكن إنقاذها عن طريق عملية أو سيارة إسعاف لكن لم يكن مسموح بدخول سيارات الإسعاف، كما قامت قوات الأمن لاحقاً بإطلاق الغاز علي المستشفي الميداني”، تم تركيب 4 محاليل لها وكانت تحتاج إلي دم، لكن بنك الدم قد دمر وسط الأحداث، حتى وجدوا كيس دم متفق مع فصيلتها، لكنها دخلت في غيبوبة فقاموا لها إنعاش قلبي رئوي، لكن سرعان ما دخلت في غيبوبة أخرى بعدها لتفارق الحياة بعد ثلاث ساعات من محاولة انقاذها.
حمل جثمانها أخيها عمار البلتاجي، وذهب به إلى أكثر من ثماني مستشفيات لكنهم رفضوا استلامه، حيث كانت لديهم أوامر أمنية بعدم استلام أي حالة من مصابين رابعة والنهضة، بعدها ذهب بأخته لمستشفي الحسين الجامعي وقاموا بوضع الجثمان في ثلاجة المستشفى حتى نقلت إلى مشرحة زينهم، وبعدها بيومين قاموا بصلاة الجنازة على الجثمان بمسجد السلام بحي مدينة نصر وسط أعداد كبيرة من المصليين، لتدفن بعد ذلك في مقابر الوفاء والأمل، في رثاء الدكتور البلتاجي لابنته قال: ” لقد رأيتك في المنام ترتدي ثياب زفاف وفي صورة من الجمال والبهاء لا مثيل لها في الدنيا حين رقدت إلى جواري سألتك في صمت هل هذه الليلة موعد زفافك فأجبتني (في الظهر وليس في المساء سيكون الموعد) ” ولقد قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتخليد أسم أسماء فأطلق اسمها على حديقة تحمل في ولاية أرض الروم شرق تركيا، وكان آخر ما كتبته عبر صفحتها على فيس بوك: «هم بَيَتونا بالوتير هجداً، وقتلونا ركعاً وسجداً، وهم أذل وأقل عددا، فادع عباد الله يأتوا مدداً..في فيلق كالبحر يجري مزيداً».