أحمد يسري عبد البصير مصطفى/الشهيد المبتسم
أحمد يسري عبد البصير مصطفى له قصة فريدة عرفتها مصر في حينها؛ إذ اُستشهِدَ في “جمعة الغضب” في “ميدان التحرير” لتبقى ملامحه مبتسمة بطريقة لافتة، لكن ملابسه لم تكن تحمل ما يفيد باسمه أو شخصيته؛ وبالتالي تعذر الوصول إلى أهله، ليبقى جثمانه ثلاجة مشرحة “مستشفى الهلال الأحمر” الحكومية بـ”شارع رمسيس” القريبة من الميدان لمدة شهر كامل نشرت فيها “جريدة الأهرام” كبرى الصحف الحكومية مناشدة للثوار وأهل الخير إبلاغ أهله ليتسلموا جثمانه ويدفنوه؛ بعد أن نشرتْ صورته.
على أن أهل الشهيد تأخروا في العثور على جثمانه؛ إذ إنهم كانوا من المقيمين في الأقاليم بعيدًا عن القاهرة؛ بالإضافة إلا أنهم كانوا يأملون في أن يكون ابنهم الثائر حيًّا.
اهتم كثير من المصريين بأمر الشهيد الذين لم يُدفنَ حتى بعد مرور 29 يومًا من العثور على جثمانه؛ وعرضتْ أكثر من أسرة استقباله في مقابرها الخاصة تكريمًا له؛ إلا أن المستشفى رفض حتى مرّ شهر كامل على احتجاز الجثمان؛ ليبلغ بعض المعارف أهل الشهيد الذين يسكنون في مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية على بعد قرابة 140 كيلومترًا من القاهرة.
على الفور أتت والدته إلى المشرحة؛ وما إن رفعت الغطاء عنه حتى صاحتْ: “أحمد ابني مات” وانهارتْ باكية ومضيفة:”عرفتُه من ابتسامته التي لم تكن تغادر وجهه أبدًا”.
وأكدتْ والدة الشهيد أنه كان بارًا بها وبوالده وكانت أمنيته أن يموت شهيدًا؛ واعتاد أن يطلب من أمه أن تدعو له فكانت تظن أنه يُبالغ؛ وتدعو له في المقابل تدعو الله له بتفريج الهم؛ بخاصة أنه نال تعليمًا فوق المتوسط وتخرج في معهد فني صناعي؛ وآمل أن يجد عملًا مناسبًا يساعد به أباه على مصروفات الانفاق على إخوته؛ إلا أنه فشل في الاستقرار في عمل دائم؛ وظل يتنقل من عمل إلى آخر بأجر بسيط؛ بالإضافة إلى بقائه عاطلًا عن العمل لفترة طويلة.
كرس أحمد وقته في حفظ كتاب الله والتفقه في الدين ومتابعة دروس بعض كبار علماء الدين متنقلًا وراءهم في المحافظات. والد الشهيد الموظف البسيط على المعاش أكد أنه مع آلام وفقر الشهيد وتعرضه للظلم والاعتقال من جانب “مباحث أمن الدولة” قبل الثورة عدة مرات؛ ولا يعرف الأب ماذا كان يحدث لابنه في مرات سجنه إذ كان يخرج:”أكثر إصرارا علي حدوث تغيير بالبلد لأنه زهق وكان يهرب من المنزل بالأيام ويعيش حالة نفسية وعصبية سيئة خوفا من القبض عليه”. وفي المرة الأخيرة غادر أحمد المنزل قبل الثورة حاملًا حقيبة ملابسه ومؤكدًا لأبيه أنه سيبحث عن عمل في القاهرة؛ ولما طالت غيبته ظن والده أنه مُعتقل مرة أخرى حتى أتاه خبر استشهاده، فلم يملك إلا احتسابه عند الله شهيدًا.
أما والدة الشهيد فاختتمت كلماتها بالقول: “لا أريد شيئا من أحد؛ وحسبي الله ونعم الوكيل في مَنْ قتله وكل ما أتمناه أن أكرمه وأدفنه؛ لأن أكثر ما يؤلمني هو الحالة التي وصل إليها بعد بقائه في المستشفي مدة طويلة”.
وفي يوم 28 من فبراير/شباط 2011م وبعد شهر من احتجازه انتقل الشهيد لمشرحة زينهم ليجرى له ولوالديه تحليل الحمض النووي ثم يُدفن.
المصادر:
1ـ الشهيد المبتسم يعثر على أهله ـ محرك جزايرس نقلًا عن أخبار اليوم الأول من مارس 2011م.