أحمد كمال أنور عبد الله
أحمد كمال أنور عبد الله تروي إحدى شقيقاته أنه يوم استشهاده (28 من يناير/كانون الأول 2011م أو جمعة الغضب) ارتدى ملابسه وصفف شعره وقال لها: “لا تخبرى أبي (إلى) أين أنا ذاهب حتى لا يقلق”، مضيفة أنه بعد ساعات من محاولته حماية زملاءه من قمع الأمن عند نقطة شرطة قحافة في طنطا كانت دماؤه تروي الأرض؛ أما حينما نقلوه إلى المستشفى فقد كان كما تضيف شقيقته:” .. ثابتا ومطمئنًا وقَبّل والدي، وقال له (أوعى تزعل منى يا بابا؛ أنا ما عملتش حاجة غلط أنا عملت الصح، ومصر خلاص هتبقى كويسة ومش هيبقى فيها ظلم تاني ادعي لي يا بابا)، وفارقتْ أنفاسه الحياة، وظل حلمه أمام عيوننا لا يموت”.
استشهد أحمد برصاصة حيِّة من “طبنجة ميري (مسدس حكومي) 9 ملي” هشمتْ ضلوعه واستقرتْ في الرئة اليسرى من صدره؛ وكل ذنبه أنه كان يساعد المصابين وفاقدي الوعي من المصابين بالرصاص أو القنابل المُسيلة للدموع على الإفاقة، ويروي أصدقاؤه الثوار أنه عند خروج روحه نطق بالشهادتين، فلفوه بعلم مصر محاولين به إيقاف النزيف؛ وأسرعوا بنقله إلى “المستشفى الجامعي بطنطا”، ولقلة إمكانات المستشفى، وعدم توافر حتى الأدوية فيه، وعدم وجود جزء منها، لما حاول أهله شراءها على نفقتهم الخاصة؛ لم تنجح محاولات إنقاذه
كان أحمد الابن الوحيد لأسرة لم ترزق غيره من الذكور، فكان الأصغر لثلاثة فتيات يكبرنه، وظل مُتقدمًا في دراسته حتى وصل إلى الفرقة الثانية من أكاديمية مصر أو “معهد مصر العالى للهندسة والتكنولوجيا والتجارة والحاسبات” بالمنصورة ، واستشهد وعمره 19 عامًا فحسب؛ ووفقًا للجنة الشهداء والمصابين بنقابة المهندسين فقد خرج بعد صلاة العشاء للمشاركة في الثورة حريصًا على السلمية.
في أول “عيد للأم” في 21 من مارس/آذار بعد الثورة أقامت أكاديمية مصر، حيث كان يدرس الشهيد احتفالية كبرى لتكريم اسمه واختيار والدته السيدة شادية محمد أحمد السيد أمًّا مثالية؛ فشكرتْ الأخيرة كل المساهمين في الحفل مؤكدة: “أن دم ابنها لم يذهب هدرا، طالما هناك شباب يواصلون ما بدأه من أجل حرية وكرامة مصر”، وقد قدّم عميد المعهد آنذاك خالص عزائه لأسرة الشهيد “الذي يفخر به كل زملائه”؛ وفي العام التالي كرم محافظ الغربية آنذاك أم الشهيد أيضًا عبر أهدائها رحلة للعمرة على نفقة الدولة.
يروي الدكتور مصطفى النجار أنه زار أسرة أحمد في طنطا فوجد الأب: “نموذجًا لمواطن مصرى شريف بذل الجهد والوقت لتربية أبنائه، أطعمهم من حلال وعلمهم مكارم الأخلاق وعاش طيلة حياته زاهدًا فى الدنيا وبشوشًا مع الناس”.
عاش والد الشهيد يقول للذين يقابلونه من الثوار: ” إن الله سيحفظ هذا البلد، ومهما اشتد الظلام فله نهاية، لا تفقدوا الأمل، وأكملوا ما بدأتم فآمال الناس فيكم أنتم وليست فى العواجيز”.
أما أقصى أحلامه فأن يذكر الناس نجله بكل خير ويطلبون له الرحمة؛ وتسمية شارع أو مدرسة باسم نجله مؤكدًا على: “لا أريد أكثر من ذلك، أما ابني فإن الله سيعوضني عنه، وأسأل الله أن يتقبله فى الشهداء والصالحين”.
ناضل والد أحمد خلال سنتين بعد استشهاده لإطلاق اسمه على الشارع الذي كان يقيم فيه فلم ينجح، وحينما نجح في الحصول على موافقة رسمية بتغيير اسم اقرب مدرسة وإطلاق اسم الفقيد عليها؛ وبالتالي صدور القرار الإداري وجد الذي يعطله ولا ينفذه من المسئولين، فلم تيأس أسرة الشهيد وذهبت لتسأل في محافظة الغربية فقالوا لهم: “إن وزير التنمية المحلية قد أصدر قرارا بعدم تسمية أى مدرسة بأسماء للشهداء”، ولم تعرف الأسرة هل هذه الجملة صحيحة أم إنها لمجرد صرفهم وإماتة الأمل في داخل قلوبهم؟!
وفي يوم الأربعاء 29 من مايو/أيلول 2013م تُوفى والد الشهيد إلى رحمة الله بعد صراع ومعاناة مع مرض الكبد دون ان ينجح في تحقيق حلمه بإطلاق اسم ابنه على شارع أو مدرسة في طنطا.