أحمد عبد الجواد.. شهيد المذبحة الذي بكته صاحبة الجلالة
“فقدت الصحافة المصرية الزميل أحمد عبد الجواد الصحفي بجريدة الأخبار خلال تغطيته لأحداث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية اليوم الأربعاء 14 أغسطس”..
بهذه الكلمات، قدمت بوابة “أخبار اليوم” نعيها للصحفي أحمد الجواد (30 سنة) الذي كان يعمل بالقسم الخارجي للجريدة، بعد استشهاده برصاص قوات الأمن التي استهدفت المشاركين في اعتصام رابعة العدوية، ولم يسلم منها صحفيون كانوا يمارسون عملهم بنقل مجريات الأحداث حينها، وطالبت بتقديم المتورط في قتله إلى العدالة.
ولد أحمد عبد الجواد، في إحدى قرى مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وتخرج في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر عام 2006، قبل أن يلتحق بالعمل الصحفي والإعلامي، حيث عمل بقسم الأخبار في شبكة إسلام أون لاين، ثم عين صحفيًا في مؤسسة “أخبار اليوم”، وبعدها التحق بالعمل في قناتي “مصر 25″ و”أحرار 25”.
شهد لأحمد عبد الجواد جميع زملاء عمله في المؤسسات المختلفة بدماثة الخلق وحسن العشرة، وحظي بالاحترام والتقدير لدى رؤسائه وأقرانه ومرؤوسيه، وحتى منافسيه في وسائل الإعلام الأخرى.
يحكي الصحفي عبد الرحمن محمد عن الليلة التي سبقت استشهاد أحمد عبد الجواد، حين احتد النقاش بين أفراد الفريق المسؤول عن تغطية مجريات الاعتصام، قبل أن يبادر أحمد برجاء الجميع أن يتغافروا ويتسامحوا، فلا يعلم أحد من ستعاجله رصاصة الغدر، ليتذكر جميع الحاضرين هذا الموقف عقب الفض، وتلهج ألسنتهم بطلب الرحمة والمغفرة له.
لحظات ما قبل الوفاة تحكيها زوجته أم بنان على عتبات نقابة الصحفيين، وكيف أنه هاتفها من المستشفى التي نقل إليها بعد إصابته التي علمت بها من اتصال سابق، وكيف أنه يستحثها على أن تأتي إليه وطفلته بنان ليراهما قبل أن يعاجله القدر، إلا أن ازدحام الطرق وإغلاق أغلبها حال دون ذلك، ليأتيها اتصال أخير من المستشفى يبلغها بوفاة زوجها.
ورغم أن إصابة أحمد عبد الجواد كانت خفيفة إلا أنه ترك ينزف من الساعة 12 صباحا وحتى التاسعة مساءا في المستشفى ، وبسبب فقدانه الكثير من الدماء وعدم وجود أطباء متخصصين وغياب الرعاية الطبية اللازمة، توفي أبو بنان.
ورغم كثرة الضحايا وعظم الخطب، إلا أن نبأ استشهاد أحمد عبد الجواد كان وقعه شديدا على زملائه وعلى الجماعة الصحفية، وأصدرت نقابة الصحفيين بيانا قالت فيه إنها تلقت نبأ استشهاد الزميل أحمد عبد الجواد ببالغ الحزن والأسى، وطالبت السلطات المصرية بالتحقيق الفوري في ملابسات استشهاده ومحاسبة المسؤولين عنها.
كانت جنازة الشهيد أحمد الجواد مهيبة، ورغم خروجها بعد صلاة الفجر، شهدها المئات وارتفعت فيها هتافات الدعاء على الظالمين.
وعقب استشهاده بأسابيع، شكَّلت حركة “صحفيون من أجل الإصلاح” ونشطاء لجنةً لدعم حقوق شهداء الصحفيين على يد العسكر، باسم “الشهيد أحمد عبد الجواد”، تخليدًا لذكرى الشهيد ومحاولةً لتسليط الضوء على حقوق الشهداء والدفاع عنها.
ظل أحمد عبد الجواد حاضرا في ذهن زوجته وأسرته وأصدقائه، وتتابعت الوقفات المطالبة بحقه، وفي ديسمبر 2014، قالت زوجته في رسالة وجهتها لنقيب الصحفيين، ضياء رشوان -آنذاك-، “إنها كانت تتمنى أن تكون هناك لجنة تحقيق للدفاع عنه، أو أن يتم ذكره كبقية زملائه كالحسيني أبو ضيف وميادة أشرف”.
كان قريبا جدا إلى ابنته بنان التي فقدته وهي في الثالثة من عمرها، وما فتئت تسأل والدتها “بابا راح فين؟” فتجيبها الأم “راج الجنة”، فتعاود بنان الرد “أنا نفسي أروح الجنة يا ماما، لماذا لم يأخذنا؟، أنا بحب بابا قد الدنيا، ليه مش عايز تيجي يا بابا”.
أثر أحمد عبد الجواد الذي تركه بين زملاء عمله دفعهم إلى إحياء ذكراه كل عام، من خلال فعاليات مختلفة، كان من أكثرها لفتا للنظر، رسالة وجهها زميله الصحفي محمد البطاوي وهو قيد الاعتقال، وذلك في الذكرى الثالثة، قال فيها “من قتلوك حبسوني” مضيفا “صديقي العزيز، عزائي بعد فراق 3 سنوات أني لم أصفق لقاتليك”.
وعلى الرغم من دأب الصحفي أحمد واجتهاده في عمله، وإخلاصه فيه بشكل كان مضرب المثل فيه، تميز كذلك بين أقرانه بتدينه واجتهاده في العبادة، وأنسه بالقرب من الله، وخواطره الإيمانية التي كان يفيض بها على من يتصادف وجوده معهم في مختلف الأحوال.
عرف كذلك بنشاطه الطلابي خلال فترة دراسته بجامعة الأزهر، حيث شهد له كثير من زملائه بعونه لهم وحماسته في تذليل عقبات الدراسة لأبناء دفعته ولمن هم أصغر منه، حيث كان مجتهدا ومتفوقا في دراسته.