أحمد سمير السيد امام
أحمد سمير السيد، أحد شهداء ثورة 25 يناير 2011م، وهو من مواليد مدينة المحلة، لكنه انتقل مع أسرته إلى القاهرة بعد ولادته؛ نظرًا لعمل والده أستاذًا بجامعة الأزهر، ثم ما لبث أن تُوفي والده ولم يتجاوز ست سنوات من عمره، فصار هو رجل المنزل والأخ الأكبر لمحمد.
تخرَّج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إلا أن ميوله دفعته إلى الحصول على عددٍ من الدراسات الأخرى، وعمل بعدها مشرفًا على مواقع المشاريع المختلفة بإحدى شركات الإسمنت. غرفة أحمد الخاصة التي زارها (إخوان أون لاين) تعبِّر عن شخصيته؛ حيث يوجد بها مكتبة كبيرة مليئة بمختلف ألوان الكتب، والكمبيوتر الخاص به، وبجانبه أجندة الشعر التي يدِّون فيها منذ صغره كلَّ ما يستلهمه من أبيات وقصائد الشعر المختلفة، وعلى الحائط تجد صورةً تتحدث عن نفسها وعن واقع الشعوب العربية، يقف بها رجل يداه مقيدتان لكنه يرفع علامة النصر، وعلى الدولاب صورة أخرى لرجل يضرب حمارًا كُتِب عليها (مَن لا يَرحم لا يُرحم).
من قصائد الشعر التي قرأناها في أجندة الشعر الخاصة بأحمد، التي يصف فيها ما تعيشه مصر والبلاد العربية كلها من فساد وظلم واستبداد:كيف تطلب الولاء؟.. مبارك أفقدنا الكبرياء.. فأنعم علينا بشربة ماء.. لأبحث عن سبب الولاء.. لا تتخذ شخصًا من الشرفاء.. من قادة وطني.. رهن الغلاء..
نيلكم وبترولكم.. وأرضكم غنيمة.. إني أرى مأساتكم أليمة.. أفغانكم سقيمة.. وقدسكم كليمة.. ومصركم مجينة.. وعراقكم أسير.. لعلج حقير.. وعرب نيام (قد اتقنوا الشخير) أحمد تقول عنه والدته: “لم ينشغل يومًا بنفسه، ولم تأخذ نفسه مساحةَ كبيرةً من تفكيره، وكان دائمًا يحمل همَّ الأمة، ويحب الخير للجميع”.
وتستطرد والدته في وصفها لأحمد قائلة: “مهما تكلَّمت عن أحمد لن أوفيه حقَّه وقلبه الرقيق الكبير، مشغول دائمًا بقضايا الفساد والمشاكل التي يعاني منها المجتمع، ولا يفكر في حياته الشخصية، يحبُّ الخير للجميع، وهو من النوع الكتوم الهادئ لا يتكلم إلا نادرًا، اكتسب هذه الصفة من والده، كان لا يحب أن يشغلني بالهموم والمشاكل، حتى في أصعب الأوقات التي مرَّ بها، أغلب الأوقات يُغلق على نفسه حجرته، وعندما خطب ابنة خاله تركها بعد فترة لكي لا يظلمها بانتظاره طويلاً لحين يتيسر له متطلبات الزواج.
وعن حياة أحمد تقول والدته: “دماغه كبيرة”، كان محبًّا للقراءة دائمًا، وفي كلِّ المجالات، وخاصة قراءة الكتب التاريخية، لدينا مكتبتان كبيرتان لوالده قرأهما بالكامل وهو صغير، ولم يكن يضيع وقته أبدًا، ففي الفترة الماضية التي جلس فيها بالبيت بدون عمل كان يستغلها دائمًا في القراءة، مع ميله الشديد لمتابعة الأحداث السياسية، سواء الداخلية والخارجية.
وتضيف أم أحمد: بعد استشهاده فوجئت بموهبته الشعرية، عندما عثرت على (أجندة كبيرة) على مكتبه مليئة بالأشعار، تنصب بالكامل على حال الوطن العربي ومصر، من الفساد والطغيان والقهر الذي يعيشه الشعب، ويوجه فيها عددًا من النصائح للشباب المصري ليتخلص من غفلته، وصفحات أخرى كثيرة تبعث الأمل في النصر والقضاء على الظلم، وأغلب أشعاره مسجلة بصوته ومرفوعة على الإنترنت، وكان يسجل كلَّ خواطره في أجندة خاصة بذلك، وعندما قرأتها أراح صدري لأنني فهمت فيما كان يفكر؟ وكيف وصل لذلك؟
وتروي قصة استشهاده يوم جمعة الغضب 28 يناير وتقول: على غير عادته نام أحمد ليلة جمعة الغضب ولم يُغلق باب غرفته، وأوصاني يإيقاظه مبكرًا قبل موعد صلاة الجمعة، فدخلت عليه في العاشرة صباحًا لكنه لم يستيقظ بسهولة، ومررت عليه عدة مرات حتى استيقظ الساعة الحادية عشرة، وجهَّز نفسه ثم ذهب لأداء صلاة الجمعة، وعاد بعدها إلى المنزل قليلاً، وتناول آخر وجبة غداء من يدي.
وتستطرد: لم أخرج في هذا اليوم كما كانت عادتي أن أفعل كلَّ يوم جمعة دون سبب محدد، وعندما عاد من الصلاة، نظر إلي نظرة غريبة طوال الوقت، لم أعهدها منه من قبل، وكأنه يراني لأول مرة، فأحمد كانت نظراته دومًا تعبِّر عما يجول في خاطره، وأفهمه من عينيه بدون أن يتكلم، وقبل خروجه أجرى من المنزل اتصالاً بشركة الموبايل؛ بسبب غضبه من قطع شبكات المحمول، وقال للشركة: “أنا وغيري من المصريين اللي بنشغل الشركة مش الحكومة، أنتم لازم تكونوا معانا مش ضدنا”، ثم طلب مني عشرة جنيهات؛ لأنه كان قد ترك عمله منذ فترة، لكي يتمكن من الوصول إلى التحرير بعد إيقاف المترو عن العمل.
وعندما سألنا والدته، هل فكرتي في منعه من الوصول للتحرير خوفًا عليه؟، قالت: لم اطلب منه ذلك؛ لأنه تربَّى على المواجهة والمطالبة بالحرية، وقلت في نفسي إن هذا هو اليوم الذي سيتمكن فيه أحمد من التعبير عما بداخله، فكيف أمنعه أو أطلب منه عدم الذهاب لميدان التحرير، وأحرمه من اللحظة التي كان يتمناها طويلا؟!، خاصة أنني تذكرت حال أحمد يوم الثلاثاء 25 يناير، والفرحة تملأ عينيه التي ارتسمت على وجهه طوال اليوم، أثناء متابعته لأحداث الثورة استشعارًا منه باقتراب النصر والحرية.
وداع
وتكمل أم أحمد وعينها تلمع بالدمع: “لم يسلم عليَّ سلامًا حارًّا حتى لا يشعرني بالقلق، وألقى نظرة أخيرة عليَّ، وعندما تعجبت من تلك النظرات، ابتسم ومضى في طريقه، بعد صلاة العصر مباشرة، ولكن عندما سلَّم على سلمى أخته الصغيرة “غير الشقيقة” قبل الخروج، همس في أذنها: “لو مت يا سملى ما تزعليش”، بصوت منخفض لم أسمعه يومها، لكنها أخبرتني بذلك بعد استشهاده، وجاء آخر اتصال منه بالمنزل قرابة العشاء، أكد عليَّ من خلاله أن أُقنع أخاه محمد بالبقاء في المنزل، وألا يخرج إلى الشارع.