أحمد الكردي.. نجا من الفض ليُقتل في يوم مولده
أحمد الكردي، ابن محافظة الشرقية، كان عاشقا لعمل الخير ونفع الناس، فعمل في مؤسسات مجتمعية تخدم الفقراء والأيتام، ولد يوم 18 أغسطس 1969 وشارك في اعتصام رابعة العدوية، ونجا من مذبحة الفضّ ليستشهد يوم 18 أغسطس 2013 في مذبحة سيارة الترحيلات في اليوم الذي بلغ فيه 44 عاما. واستشهد معه في نفس الحادثة أخاه حسن إبراهيم الكردي الذي اعتقل معه.
أحمد إبراهيم الكردي من مواليد قرية منشية سعدون مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، وقُتل في مذبحة سيارة ترحيلات سجن أبو زعبل، التي راح ضحيتها 37 شخصا بعد إطلاق قنابل الغاز عليهم؛ تاركا زوجة وابنا وأربع بنات، هم: فداء وآلاء ومنيرة وإبراهيم وانتفاضة.
عمل أحمد موظفا بجمعية خدمة المجتمع في محافظة الشرقية، وكان من مؤسسي جمعية “شباب مصر” التي تخدم الفقراء والأرامل والأيتام المحتاجين في قريته. كما كان محبا لدينه ووطنه، ويبادر إلى أي عمل في سبيل الله، فيشارك في إعداد وتوزيع حقيبة رمضان، ومبادرات إطعام الفقراء، كما كان وجهًا مألوفًا للمرضى الذين يجدون في القوافل الطبية التطوعية خدمة علاجية مجانية.
وعلى المستوى الأسري؛ كان أحمد الابن البار، والزوج المتعاون المحب، والأب الحنون القدوة. تقول زوجته فاتن السيد “كان أحمد زوجًا طيبًا، وأبًا مثاليًا؛ يحب أولاده، ويتمنى أن يكونوا أطباء ليخدموا بلدهم، كما تمنى أن يبني مستشفى كبيرًا جدًا يسميه (مستشفى فداء الدولي)، على اسم ابنتنا الكبرى فداء، كما سمّى ابنته “انتفاضة” فقد وُلدت أثناء حرب الفرقان على غزة؛ فأسماء أولاده لها دلالة عنده، وقد أدخلهم جميعًا المعهد الأزهري؛ حتى يتعلموا دينهم ويحفظوا كتاب الله، كما كان يحب بناته جدًا، ويقول إن الله راضٍ عني لأن خيركم مَن بكَّر بأنثى، كما قال صلى الله عليه وسلم”.
وتكمل فاتن “كان أحمد نعم الزوج الصالح الذي يُطبق قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله)، ويقول: خير الصدقة صدقة الأهل حتى يبارك الله في المال. كان يتقي الله فينا ويُكثر من فعل الصالحات؛ فأعماله الصالحة باقية بحمد الله، وفي آخر أيامه كان يقول لي: المسؤولية كبيرة، ونحن في معية الله، واستعيني بالله عز وجل وبالدعاء حتى يعينك الله. فكنت أستغرب من هذا الكلام، ولكنني عرفت بعد استشهاده أنه كان يهيئني لرحيله الذي تهيأ له بقلبه الشفاف وروحه المتعلقة بالله”.
ابنته آلاء تصف أباها فتقول “كان أبي منشغلًا بفعل الخير، وشديد الاهتمام بالدعوة، ورغم ذلك كان أفضل أصدقائي؛ يحدثني وينصحني في كل أموري، ويحترم عقلي ولا يفرض عليَّ رأيًا بل يتشاور معي حتى يقنعني بما يراه صوابًا”.
أما ابنه إبراهيم فيقول “حزنت على أبي حزنًا شديدًا، فقد كان نعم الأب، لم يحرمنا من شيء، وكان حنونًا علينا، قبل أن يُستشهد كان يقول لي: إننا سوف ننشئ مستشفى الفداء الدولي لعلاج المحتاجين والمساكين، وكان يريد أن نجتهد في العلم كي نتخرج أطباء، وكان يوصيني دائمًا بقراءة سورة ياسين حتى تُيسر لي الأمور”.
وتقول ابنته الكبرى فداء “كان أبي مثال الأب الحنون، يُعلمنا أن نُميز ما بين الصواب والخطأ، وقد ألحقنا بالدراسة الأزهرية حتى نحفظ القرآن الكريم، وكان يُعلمنا الصلاة وأمور الدين… وبإذن الله سأجتهد لأحقق حلمه”.
وتروي عن آخر لقاء لها به أنها رأته “فجر يوم فض الاعتصام، فقد استيقظت على صراخه، وهو يقول: إخواننا يموتون في رابعة. وطلب منا الدعاء لهم، وقد رأيته في رؤيا يقول لي: اطمئنوا أنا بجوار الحبيب”.
أما صديقه الشيخ محمد شعبان فيؤكد أنه “كان ذا أخلاق راقية مع كل الناس حتى مع مخالفيه ومعارضيه، كما كان طيبًا، ولم يتدنَّ يومًا في أخلاقه أو في معاملاته، ولذلك أحبه الجميع، وكانت جنازته مهيبة”.
وعن الأيام الأخيرة في حياته تحكي زوجته أن آخر شيء قاله لأبنائه، يوم الثلاثاء 13 أغسطس 2013 السابق لمجزرة الفض “ألا يحزنوا إذا استُشهِد، وقال: بالله عليكم لو استُشهِدتُ لا تصرخوا، فشهداؤنا يُكبَّر عليهم فقط” وفهَّمهم ذلك، ووصّى ابنه بقوله: “إنك خليفتي في الدعوة إلى الله”، كما وصاهم بحفظ كتاب الله، وقراءة سورة ياسين، والصلاة وحب الدعوة، وقال: “هذه الوصية أمانة في رقبتكم”، وكان آخر أيامه، يقول للأولاد: “لا تخافوا من الموت” وكان يُحدثهم كثيرًا عن الشهيد، ويقول: “الشهيد مع أول قطرة دمه يرى مقعده في الجنة، فالموت في سبيل الله أسمى الغايات”.
وعن وفاته تقول زوجته “بعد صلاة فجر يوم الفض، كان زوجي يقرأ الورد القرآني والأذكار، وفجأة وجدته يصرخ، ويقول: “إخواننا في ميدان رابعة العدوية يُقتلون”؛ جهَّز نفسه للنزول إلى الميدان، فقلت له متوسلة: لا تذهب؛ فقال: “إن تركت إخواني أكون خائنًا لهم وكذلك لديني ودعوتي”.
ثم تكمل “ودّعني في عجالة، ووصاني بأولادنا، وخرج مسرعًا، وعندما انقطع الاتصال بيننا، تخيلت أنه كان مصابًا أو شهيدًا، وبعد ذلك عرفنا أنه من المعتقلين في قسم مدينة نصر، ثم سمعنا خبر استشهاده في التلفاز ضمن مَن قتلوا في سيارة الترحيلات، وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
وفي سياق محاكمة المسئولين عن هذه الجريمة، قضت محكمة مصرية في أغسطس 2015، بتخفيف الحكم على نائب مأمور قسم شرطة مصر الجديدة، المقدم عمرو فاروق، بالحبس مدة 5 سنوات بدلاً من 10 سنوات، ومعاقبة الضباط: إبراهيم محمد المرسي، وإسلام عبد الفتاح حلمي، ومحمد يحيى عبد العزيز، بالحبس مدة سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ. وهو الحكم الذي أيّدته محكمة النقض في فبراير 2018، بعدما أسندت النيابة إلى المتهمين الأربعة تهمتي القتل والإصابة الخطأ بحق المجني عليهم.
وقد بثت قناة “الشرق” المصرية الفضائية تسجيلا صوتيا لحوار بين مدير مكتب السيسي، وزير الدفاع آنذاك، اللواء عباس كامل، ومساعد وزير الدفاع للشئون القانونية اللواء ممدوح شاهين، يظهر طلب الأول من الثاني التدخل لدى القاضي الذي ينظر قضية سيارة الترحيلات لصالح أحد الضباط المتهمين وهو نجل اللواء عبد الفتاح حلمي.